للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه - بالجهنيّ الذي قال فيه: "ألا إن أُسيفع جهينة رضي لِدِينه وأمانته أن يقال: سبق الحاجّ، ثم ادّان معرضًا، فمن كان له عليه دينٌ فليحضر، فإنا نبيع ماله"، ولم يخالفه أحدٌ، ثم يباع عليه كل ماله، وعقاره. وقال أبو حنيفة: لا يباع عليه عقاره، وقوله مخالفٌ للأدلّة التي ذكرناها، فإنها عامة لجميع الأموال، ولأن الدين حقّ ماليّ في ذمّته، فيباع عليه فيه عقاره، كما يباع في نفقة الزوجات، ولأن الْفَلَسَ معنى طارئ يوجب قسمة المال، فيباع فيه العقار كالموت. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ الله - (١).

وقال ابن قُدامة - رَحِمَهُ الله -: ومتى لزم الإنسانَ ديون حالّة، لا يفي ماله بها، فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه، لزمته إجابتهم، ويستحب أن يظهر الحجر عليه؛ لتُجتنب معاملته، فإذا حُجر عليه ثبت بذلك أربعة أحكام:

[أحدها]: تعلق حقوق الغرماء بعين ماله.

[والثاني]: منع تصرفه في عين ماله.

[والثالث]: أن من وَجَد عين ماله عنده، فهو أحق بها من سائر الغرماء، إذا وجدت الشروط.

[الرابع]: أن للحاكم بيع ماله وإيفاء الغرماء، والأصل في هذا ما رَوَى كعب بن مالك: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حجر على معاذ بن جبل، وباع ماله".

رواه الخلال بإسناده.

وعن عبد الرحمن بن كعب، قال: كان معاذ بن جبل - رضي الله عنه - من أفضل شباب قومه، ولم يكن يُمسك شيئًا، فلم يزل يَدّانُ حتى أَغرَق ماله في الدين، فكلم النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - غرماؤه، فلو تُرك أحد من أجل أحد، لتركوا معاذًا من أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فباع لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماله، حتى قام معاذ بغير شيء.

قال بعض أهل العلم: إنما لم يترك الغرماء لمعاذ حين كلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنهم كانوا يهودًا. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الجمهور من جواز


(١) "المفهم" ٤/ ٤٣١ - ٤٣٢.
(٢) "المغني" ٦/ ٥٣٧ - ٥٣٨.