للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: ولنا قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك متاعه بعينه عند إنسان، قد أفلس، فهو أحق به"، فشرط أن يجده بعينه، ولم يجده بعينه، ولأنَّه إذا أدركه بعينه، حصل له بالرجوع فصل الخصومة، وانقطاع ما بينهما من المعاملة، بخلاف ما إذا وجد بعضه، ولا فرق بين أن يرضى بالموجود بجميع الثمن، أو يأخذه بقسطه من الثمن؛ لأنه فات شرط الرجوع. انتهى. من "المغني" باختصار (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه الحنبليّة، من عدم استحقاق الرجوع في حالة تغيّر شيء من السلعة هو الأرجح؛ عملًا بظاهر قوله: "بعينه"، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الحجر على المفلس:

قال في "الفتح"، ما حاصله: ذهب الجمهور إلى أن من ظهر إفلاسه، فعلى الحاكم الحجر عليه في ماله، حتّى يبيعه عليه، ويَقسمه بين غرمائه على نسبة ديونهم، وخالف الحنفية، واحتجّوا بقصّة جابر - رضي الله عنه -، حيث قال في دين أبيه: "فلم يُعطهم الحائط، ولم يكسره لهم"، ولا حجة فيه؛ لأنه أخّر القسمة ليحضر، فتحصل البركة في الثمر بحضوره، فيحصل الخير للفريقين، وكذلك كان. انتهى (٢).

وقال في "المفهم"، ما حاصله: إذا قصر ما بيده عن وفاء ما عليه من الديون، فللحاكم أن يحجر عليه، ويمنعه من التصرّف فيما بيده، ويحصّله، ويجمع الغرماء، فيقسّمه عليهم، وهذا مذهب الجمهور، من الصحابة، وغيرهم؛ كعمر، وعثمان، وعليّ، وابن مسعود، وعروة بن الزبير، والأوزاعيّ، ومالك، والشافعيّ، وأحمد.

وقال النخعيّ، والحسن البصريّ، وأبو حنيفة: للحاكم أن يحجر عليه، ولا يمنعه من التصرّف في ماله، لكن يحبسه ليوفي ما عليه، وهو يبيع ما عنده، والحجة للجمهور على هؤلاء حديث تفليس معاذ - رضي الله عنه - الآتي، وقد قال الزهري: ادّان معاذ، فباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماله حتى قضى دينه، وكذلك فعل


(١) راجع: "المغني" ٦/ ٥٤٣.
(٢) "الفتح" ٥/ ٣٤٧.