آخره:"فقال أبو مسعود: هكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ) أي: استَقبلت (رُوحَ رَجُلٍ) عند الموت، وفي رواية للبخاريّ في "باب ما ذكر عن بني إسرائيل": "إن رجلًا كان فيمن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه" (مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أي: من الأمم السابقة (فَقَالُوا) أي: الملائكة (أَعَمِلْتَ) بكسر الميم (مِنَ الْخَيْرِ شَيئًا؟)(قَالَ) الرجل (لَا) أي: لم أعمل شيئًا، لا قليلًا ولا كثيرًا، وفي رواية عبد الملك بن عمير عند البخاريّ: "فقال: ما أعلم، قيل: انظر، قال: ما أعلم شيئًا، غير أني … " فذكره، وفي رواية شقيق، عن أبي مسعود الآتية هنا، رفعه: "حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسرًا"، وفي رواية سعد بن طارق: "أُتِي الله بعبد من عباده، آتاه الله مالًا، فقال له: ما عملت في الدنيا؟ قال: ولا يكتمون الله حديثًا، قال: يا رب آتيتني مالك، فكنتُ أبايع الناس، وكان من خُلُقي الجواز … " الحديث، وفي رواية ابن أبي عمر في هذا الحديث: "فيقول: يا رب ما عملت لك شيئًا أرجو به كثيرًا، إلا أنك كنت أعطيتني فضلًا من مال … "، فذكره.
قال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "فلم يوجد له شيء من الخير" هذا العموم مُخَصَّصٌ قطعًا بأنه كان مؤمنًا، ولولا ذلك لما تجاوز عنه، فـ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية [النساء: ٤٨]، وهل كان قائمًا بفرائض دِينه من الصلاة، والزكاة، وما أشبههما؟ هذا هو الأليق بحاله، فإن هذا الحديث يَشهد بأنه كان ممن وُقي شُحّ نفسه، وعلى هذا فيكون معنى هذا العموم أنه لم يوجد له شيء من النوافل إلا هذا.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "هذا هو الأليق بحاله" فيه نظر لا يخفى؛ لأنه ينافيه قوله: "لم يعمل خيرًا قط"، فالظاهر أن النفي على عمومه عدا الإيمان، فيكون المعنى أنه لم يعمل خيرًا زائدًا على الإيمان، والله تعالى أعلم.
قال: ويَحْتَمِل أن يكون له نوافل أخَرُ، غير أن هذا كان الأغلب عليه، فنودي به، وجُوزي عليه، ولم يذكر غيره اكتفاء بهذا.