(عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ) عقبة بن عمرو الأنصاريّ البدريّ - رضي الله عنه - (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "حُوسِبَ) قيل: معناه: يحاسب يوم القيامة، وإنما أورده بصيغة الماضي؛ لتحقّق وقوعه، كما في قوله تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}[النحل: ١].
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن كونه بمعنى الماضي لا بُعد فيه، بل هو الأولى؛ فقد يُعذّب عند خروج روحه، أو في قبره، وقد سبق قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تلقت الملائكة روح رجل"، وقوله: "رجل لقي ربه، فقال: ما عملتَ؟ "، فكلّ هذا ظاهر أنه وقع في الدنيا قبل يوم القيامة، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أي: من الأمم السابقة؛ كبني إسرائيل (فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ) قال الأبيّ - رحمه الله -: هذا عامّ مخصوص؛ لأن عنده الإيمان، ولذا يجوز العفو عنه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]، واللائق به أنه ممن قام بالفرائض؛ لأنه كان ممن وُقي شحّ نفسه، فالمعنى لم يوجد له من النوافل إلا هذا، ويَحْتَمِل أنه له نوافل أُخَر، لكن هذا غلب عليه، فلم يذكرها اكتفاءً بهذا، ويَحْتَمِل أن يكون المراد بالخير المال، فيكون المعنى أنه لم يوجد فعل برّ في المال إلا إنظار المعسر. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: تقدّم أنه لا حاجة إلى هذه الاحتمالات التي فيها تكلّف ظاهر، بل ما دلّ عليه ظاهر النصّ، من أنه لا خير عنده أصلًا، إلا الإيمان هو الأولى والأظهر، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(إِلَّا أنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ) أراد بمخالطتهم مخالطتهم بالتعامل معهم بالبيع والشراء (وَكَانَ مُوسِرًا) أي: غنيًّا (فَكَانَ يَأمُرُ غِلْمَانَهُ) بالكسر: جمع غلام؛ أي: خُدّامه (أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ) أي: الفقير، وفيه دليل على استحباب إذن السيّد لعبده في التجاوز (قَالَ: قَالَ اللهُ - عز وجل -: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ) أي: بالتجاوز (مِنْهُ) قال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "نحن أحقّ بذلك منه" صدقٌ وحق؛ لأنه تعالى متفضّل ببذل ما لا يُستحقّ عليه، ومسقط بعفوه عن عبده ما يجب له من الحقوق عليه، ثم يتلافاه برحمته، فيُكرمه، ويقرّبه منه، وإليه، فله