للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ فَاجِرَةٍ) قال القرطبيّ: الرواية بالتنوين على أن صبرًا صفة اليمين: أي ذات صبر، وأصل الصبر الحبس، كما قال عنترة: [من الكامل]:

فَصَبَرْتُ عَارِفَةً لِذَلِكَ حُرَّةً … تَرْسُو إِذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ

أي حبستُ في الحرب نفسًا مُعتادةً لذلك كريمةً، لا ترضى بالفرار.

وقال المازريّ: أصل الصبر: الحبس والإمساك، يقال: صَبَرَ فلانٌ فلانًا: إذا حبسه، وكلُّ من حبسته لقتل، أو يمين، فهو قَتْلُ صَبْرٍ، ويَمِينُ صَبْرٍ، وأصبره الحاكم على اليمين: أكرهه على يمين صبر، قاله الهرويّ وغيره.

وقال أبو العبّاس (١): الصبر ثلاثة أشياء: الإكراه، ومنه أصبره الحاكم، والحبسُ، ومنه صَبَرتُهُ: إذا حبسته، والْجُرْأةُ، ومنه قوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: ١٧٥]: أي ما أجرأهم عليها.

ووُصِفَت اليمين بأنها ذات صبرٍ؛ لأنَّها تَحْبِس الحالف لها، أَوْ لأن الحالف يجترئ عليها، وذَكَّر، وقد أجراه صفةً على اليمين، وهي مؤنّثةٌ؛ لأنه قَصَدَ المصدر. انتهى (٢).

وقال القاضي عياض: يمين الصبر هي التي يُصبَرُ صاحبها: أي يُحبس، ويُكرَه حتى يَحلفها، وقد يكون من معنى الْجُرْأة والإقدام عليها، كما قال ثعلب، ومعنى "فاجرة": أي كاذبة. انتهى (٣).

وقال النوويّ: يمين الصبر هي التي أُلزِم بها الحالف عند حاكم ونحوه، وأصل الصج: الحبسُ والإمساك. انتهى (٤).

وقال القاضي: ويُستدلّ من هذا الحديث أن الإيمان كلّها التي تُقطع بها الحقوق لا تنفع فيها المعاريض والنيّات، وإنما هي على نيّة صاحب الحقّ المحلوف له، لا على نية الحالف، ولا خلاف في كونه هذا آثمًا فاجرًا في يمينه متى اقتطع بها حقّ امرئ مسلم. انتهى (٥).


(١) هو ثعلب الآتي بعده.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ٤٧٠، بزيادة من "المفهم" ١/ ٣١٦.
(٣) "إكمال المعلم" ١/ ٤٧٠.
(٤) "شرح النوويّ" ٢/ ١٢١.
(٥) "إكمال المعلم" ١/ ٤٧١ - ٤٧٢.