للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يعني - والله أعلم -: أن من تظاهر بشيء من الكمال، وتعاطاه، وادّعاه لنفسه، وليس موصوفًا له، لم يَحصُل له من ذلك إلا نقيض مقصوده، وهو النقص، فإن كان الْمُدَّعَى مالًا لم يُبَارَك له فيه، أو علمًا، أظهر الله جهله، فاحتقره الناس، فقلَّ مقداره عندهم، وكذلك لو ادَّعَى دِينًا، أو نسبًا، أو غير ذلك، فَضحَه الله، وأظهر باطله، فقلّ مقداره، وذَلَّ في نفسه، فحصَلَ على نقيض قصده، وهذا نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أسرّ سريرةً، ألبسه الله رداءها"، ونحو منه قوله تعالى: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: ١٨٨]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "المتشبّع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبي زور" رواه مسلم.

وفائدة الحديث الزجرُ عن الرياء، وتعاطيه، ولو كان بأمور الدنيا. انتهى كلام القرطبيّ (١).

(وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ فَاجِرَةٍ) قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: كذا صحّت الرواية في كتاب مسلم لهَذا الكلام مقتصرًا على ذكر جملة الشرط من غير ذكر جملة الجزاء، فيَحْتَمِلُ أنه سكت عنه؛ لأنه عطفه على "من" التي قبلها، فكأنه قال: ومن حلف يمينًا فاجرة كان كذلك، أي لم يزده الله بها إلا قِلّة، ويَحْتَمل أن يكون الجزاء محذوفًا، ويكون تقديره: من فعل ذلك غضب الله عليه، أو عاقبه، أو نحو ذلك، كما جاء في الحديث الآخر: "من حَلَف على يمين؛ ليقتطع بها مالَ مسلم، لَقِي الله، وهو عليه غضبان"، متّفق عليه. انتهى (٢).

وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى: لم يأت في الحديث هنا الخبر عن هذا الحالف إلا أن يَعْطِفه على قوله قبلُ: "ومَنِ ادَّعَى دعوى كاذبة؛ ليتكثر بها لم يزده الله بها إلا قلةً": أي وكذلك مَن حَلَف على يمين صبر فهو مثله، قال: وقد ورد معنى هذا الحديث تامًّا مُبَيَّنًا في حديث آخر: "من حلف على يمينِ صبرٍ، يقتطع بها مال امرئ مسلم، هو فيها فاجرٌ، لقي اللهَ، وهو عليه غضبان". انتهى (٣).


(١) "المفهم" ١/ ٣١٥.
(٢) "المفهم" ١/ ٣١٥ - ٣١٦.
(٣) "إكمال المعلم" ١/ ٤٧٠.