للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

زمام الإذعان بأن اللعن كالقتل، والمؤمن ليس باللعّان. انتهى كلام الصنعانيّ رحمه الله تعالى (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب.

(وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ) أعمّ من الحديدة، والسمّ، والتردّي من الجبل المذكورات في الحديث السابق (فِي الدُّنْيَا) متعلّق بـ "قَتَلَ" (عُذِّبَ) بالبناء للمفعول (بِهِ) أي بذلك الشيء الذي قتل به نفسه (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فيه مجانسة الجزاء للجناية، وقد سبق تحقيقه.

(وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً) قال النوويّ رحمه الله تعالى: هذه هي اللغة الفصيحة، يقال: دعوى باطل وباطلة، وكاذب وكاذبة، حكاهما صاحب "الْمُحْكَم"، والتأنيث أفصح. انتهى (٢).

(لِيَتَكَثَّرَ بِهَا) قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: ضبطناه بالثاء المثلّثة بعد الكاف، وكذا هو في معظم الأصول، وهو الظاهر، وضبطه بعض الأئمّة المعتمدين بالباء الموحّدة، وله وجهٌ، وهو بمعنى الأول: أي يُصيِّرُ ماله كبيرًا عظيمًا. انتهى (٣).

(لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَّا قِلَّةً) بكسر القاف: أي يُجازيه الله تعالى بخلاف قصده، فإنه ما ادّعى دعوى كاذبة إلا تكثيرًا لماله، فعامله الله نقيض قصده، فقلّل الله ماله.

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: هذا عامّ في كلّ دعوى يتشبّع بها المرء بما لم يُعطَ من مال يحتال في التجمّل به من غيره، أو نسب ينتمي إليه ليس من جِذْمه (٤)، أو علم يتحلّى به ليس من حَمَلَته، أو دِينٍ يُرائي به ليس من أهله، فقد أعلم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه غير مبارك له في دعواه، ولا زاكٍ ما اكتسبه بها، ومثله في الحديث الآخر: "الحلف مَنْفَقَةٌ للسلعة، مَمْحَقَةٌ للبركة"، متّفقٌ عليه، وفي لفظ لأحمد: "اليمين الكاذبة منفقة للسلعة، ممحقة للكسب". انتهى (٥).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "ومن ادّعى دعوى كاذبة … إلخ"


(١) "العدّة حاشية العمدة" ٤/ ٤١٦.
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ١٢١.
(٣) "شرح النوويّ" ٢/ ١٢١.
(٤) "الجِذم" بكسر الجيم، وتفتح: الأصل، قاله في "القاموس".
(٥) راجع: "إكمال المعلم" ١/ ٤٦٩.