للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهل يَتَّصِف بالمطل مَن ليس القدر الذي استُحِق عليه حاضرًا عنده، لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلًا؟ أَطْلَق أكثر الشافعية عدم الوجوب، وصرَّح بعضهم بالوجوب مطلقًا، وفَصَّل آخرون بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يَعْصِي به، فيجب، وإلا فلا.

وقوله: "مَطْلُ الغني" هو من إضافة المصدر للفاعل عند الجمهور، والمعنى: أنه يَحْرُم على الغنيّ القادر أن يَمْطُل بالدين بعد استحقاقه، بخلاف العاجز.

وقيل: هو من إضافة المصدر للمفعول، والمعنى: أنه يجب وفاء الدين، ولو كان مستَحِقّه غنيًّا، ولا يكون غناه سببًا لتأخير حقّه عنه، وإذا كان كذلك في حقّ الغنيّ، فهو في حقّ الفقير أولى، ولا يخفى بُعْدُ هذا التأويل، قاله في "الفتح" (١).

(وَإِذَا أتْبعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَليءٍ فَلْيَتْبَعْ") المشهور في الرواية واللغة كما قال النوويّ إسكان المثناة في "اتْبع"، وفي "فَلْيَتْبَعْ"، وهو على البناء للمجهول، مثلُ: إذا اعْلِم فَلْيَعَلم، تقول: تَبِعت الرجل بحقي أتبعه، من باب فَرِحَ تَبَعًا وتبَاعَةً بالفتح: إذا طلبته.

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: أما "أُتْبعَ" فبضم الهمزة، وسكون التاء، مبنيًّا لِمَا لم يُسَمَّ فاعله عند الجميع، وأما "فَلْيَتْبَع"، فالأكثر على التخفيف، وقيّده بعضهم بالتشديد، والأول أجود؛ لأن العرب تقول: تَبِعتُ الرَّجلَ بحقِّي، أَتْبَعه، تبَاعَةً: إذا طلبته به، فأنا له تبيع - كل ذلك بالتخفيف -، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: ٦٩]، ومعناه: إذا أحيل أحدكم فليحتل. انتهى (٢).

قال الحافظ: وما ادَّعاه من الاتفاق على "أُتْبعَ" يردُّه قول الخطابيّ: أن أكثر المحدثين يقولونه بتشديد التاء، والصواب التخفيف.

ومعنى قوله: "أُتْبعَ فَلْيَتْبَعْ"؛ أي: أُحيل فَلْيَحْتَلْ، وقد رواه بهذا اللفظ


(١) "الفتح" ٦/ ٦٤ - ٦٥ "كتاب الحوالة" رقم (٢٢٨٧).
(٢) "المفهم" ٤/ ٤٣٩.