للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أحمد، عن وكيع، عن سفيان الثوريّ، عن أبي الزناد، وأخرج البيهقيّ مثله، من طريق يعلى بن منصور، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، وأشار إلى تفرد يعلى بذلك، ولم يتفرد به كما تراه، ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر بلفظ: "فإذا أُحلت على مليء فاتَّبِعه" وهذا بتشديد التاء بلا خلاف.

و"المليء" بالهمز مأخوذ من الملاء، يقال: مَلُؤ الرجل بضم اللام؛ أي: صار مليًّا، وقال الكرماني: الملي كالغنيّ لفظًا ومعنًى، فاقتضى أنه بغير همز، وليس كذلك، فقد قال الخطابيّ: إنه في الأصل بالهمز، ومن رواه بتركها فقد سَهَّله.

[تنبيه]: قال في "الفتح": ادّعَى الرافعيّ أن الأشهر في الروايات: "وإذا أُتبع" - يعني بالواو - وأنهما جملتان، لا تعلق لإحداهما بالأخرى، وزعم بعض المتأخرين أنه لم يَرِد إلا بالواو، وغَفَل عما في "صحيح البخاري"، فإنه بالفاء في جميع الروايات، وهو كالتوطئة، والعلة لقبول الحوالة؛ أي: إذا كان المطل ظلمًا، فليقبل من يُحتال بدَينه عليه، فإن المؤمن من شأنه أن يحترز عن الظلم، فلا يَمْطُل، نعم رواه مسلم بالواو، وكذا البخاريّ في الباب الذي بعده، لكن قال: "ومن أتبع". ومناسبة الجملة للتي قبلها؛ أنه لما دَل على أن مَطْل الغنيّ ظلم، عَقبَه بأنه ينبغي قبول الحوالة على المليء؛ لما في قبولها من دفع الظلم الحاصل بالمطل، فإنه قد تكون مطالبة المحال عليه سهلة على المحتال، دون المحيل، ففي قبول الحوالة إعانة على كفّه عن الظلم. انتهى (١).

وقال القرطبي - رحمه الله -: وهذا الأمر - يعني قوله: "فليتبع" - عند الجمهور محمول على الندب؛ لأنه من باب المعروف والتيسير على المعسر، وقد حمله داود على الوجوب تمسَّكًا بظاهر الأمر، وهذا ليس بصحيح؛ لأن ملك الذمم كملك الأموال، وقد أجمعت الأمّة على أن الإنسان لا يُجْبَر على المعاوضة بشيء من ملكه بملك غيره، فكذلك الذمم، وأيضًا فإن نقل الحق من ذمة إلى ذمة تيسير على المعسر، وتنفيسٌ عنه، فلا يجب، وإنما هو من باب المعروف بالاتفاق.


(١) "الفتح" ٦/ ٦٦.