للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال وليّ الدين: وفيه نظر؛ فإنه لم يمنع في الحديث من الحوالة على غير المليء، وإنما أمر بقبول الحوالة على المليء، وسكت عن الحوالة على غيره، فلم يأمر بقبولها، ولم ينه عنه، بل الأمر فيها إلى خِيرة المحال، والله أعلم. انتهى (١).

١١ - (ومنها): ما قاله وليّ الدين - رحمه الله -: لم يعتبر أصحابنا - يعني الشافعيّة - في صحة الحوالة اعترافَ المحال عليه، ولا قيام بيّنة عليه بذلك، بل صححوها مع جحوده، واعتبر مالك ثبوته بالإقرار فقط، واعتبر آخرون بثبوته ولو بالبيّنة، وإطلاق الحديث يدلّ على أنه لا يعتبر ثبوته، والله أعلم. انتهى (٢).

١٢ - (ومنها): ما قاله وليّ الدين - رحمه الله -: الحكمة في الجمع بين هاتين الجملتين - يعني قوله: "مطلُ الغنيّ ظلم"، وقوله: "وإذا اتبع إلخ" - من وجهين:

[أحدهما]: وهو الأظهر أنه لما ذَكَر أن مطل الغني ظلم عَقَّبه بأنه ينبغي قبول الحوالة على المليء؛ لِمَا في قبولها من دفع الظلم الحاصل بالمطل، فإنه قد تكون مطالبة المحال عليه سهلة على المحتال دون المحيل، ففي قبول الحوالة عليه إعانة له على ترك الظلم.

[ثانيهما]: أنه عَقَّب كون مطل الغني ظلمًا بأنه ينبغي أن يحتال على المليء، فإنه لا ضرر عليه في ذلك؛ لأن الظاهر من حال المسلم الاحتراز عن الظلم، أو لأن المليء لا يتعذر استيفاء الحق منه عند الامتناع، بل يأخذه منه الحاكم قهرًا ويوفيه، فيحصل الغرض بقبول الحوالة من غير مفسدة بقاء الحقّ.

وأورد الشيخ ابن دقيق العيد - رحمه الله - في "شرح العمدة" لفظ الحديث: "فإذا أتبع أحدكم" بالفاء، وقال: في الحديث إشعار بان الأمر بقبول الحوالة على المليء مُعَلَّل بكون مطل الغني ظلمًا، ولعل السبب فيه فذكر هذين المعنيين اللذين ذكرتهما آنفًا في الوجه الثاني.

ثم قال: والمعنى الأول أرجح؛ لما فيه من بقاء معنى التعليل بكون


(١) "طرح التثريب" ٦/ ١٦٥.
(٢) "طرح التثريب" ٦/ ١٦٧ - ١٦٨.