للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المطل ظلمًا، وعلى المعنى الثاني تكون العلة عدم تَوَاء الحقّ، لا الظلم. انتهى

وذكر الرافعيّ أن الأشهر في الرواية بالواو، ويروى بالفاء، قال: فعلى الأول هو مع قوله: "مطل الغني ظلم" جملتان، لا تعلق للثانية بالأولى، وعلى الثاني يجوز أن يكون المعنى أنه إذا كان المطل ظلمًا من الغني، فليقبل الحوالة عليه، فإن الظاهر أنه يتحرز عن الظلم، ولا يَمْطُل. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في معنى الحوالة، واشتقاقها:

قال في "الفتح": "الْحَوالة" - بفتح الحاء، وقد تُكسر -: مشتقة من التحويل، أو من الْحُئُول: تقول: حال عن العهد: إذا انتقل عنه حُئُولًا، وهي عند الفقهاء نقل دين من ذمة إلى ذمة. واختلفوا هل هي بيع دين بدين، رُخِّص فيه، فاستُثني من النهي عن بيع الدين بالدين، أو هي استيفاء؟ وقيل: هي عقد إرفاق مستقل، ويشترط في صحتها رضا المحيل، بلا خلاف، والمحتال عند الأكثر، والمحال عليه، عند بعض من شذّ، ويشترط أيضًا تماثل الحقين في الصفات، وأن يكون في شيء معلوم، ومنهم من خصها بالنقدين، ومنعها في الطعام؛ لأنه بيع طعام قبل أن يُسْتَوفَى. انتهى (٢).

وقال ابن قُدامة - رحمه الله -: الحوالة ثابتة بالسنة والإجماع، أما السنة، فما رَوَى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "مطلُ الغني ظلم، وإذا أُتبع أحدكم على مليء فليتبع" متفق عليه، وفي لفظ: "من أُحيل بحقه على مليء، فليحتل"، وأجمع أهل العلم على جواز الحوالة في الجملة.

واشتقاقها من تحويل الحقّ من ذمة إلى ذمة، وقد قيل: إنها بيع، فإن المحيل يشتري ما في ذمته بما له في ذمة المحال عليه، وجاز تأخير القبض رخصةً؛ لأنه موضوع على الرفق، فيدخلها خيار المجلس لذلك، والصحيح أنها عَقْدُ إرفاق، منفرد بنفسه، ليس بمحمول على غيره؛ لأنها لو كانت بيعًا، لما جازت؛ لكونها بيع دين بدين، ولما جاز التفرق قبل القبض؛ لأنه بيع مال


(١) "طرح التثريب" ٦/ ١٦٥.
(٢) "الفتح" ٦/ ٦٣.