للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الربا بجنسه، ولجازت بلفظ البيع، ولجازت بين جنسين؛ كالبيع كله، ولأن لفظها يشعر بالتحوّل، لا بالبيع، فعلى هذا لا يدخلها خيار، وتلزم بمجرد العقد، وهذا أشبه بكلام أحمد وأصوله.

ولا بد فيها من محيل، ومحتال عليه، ويشترط في صحتها رضى المحيل بلا خلاف، فإن الحق عليه، ولا يتعيّن عليه جهة قضائه، وأما المحتال، والمحال عليه، فلا يعتبر رضاهما على ما سنذكره إن شاء الله تعالى. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في الأمر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليتبع"، هل هو للوجوب، أم للاستحباب؟:

قال في "الفتح"، ما حاصله: ذهب الجمهور إلى أنه للاستحباب، وَوَهِمَ من نقل فيه الإجماع، وقيل: هو أمر إباحة وإرشاد، وهو شاذّ، وحمله أكثر الحنابلة، وأبو ثور، وابن جرير، وأهل الظاهر على ظاهره، وعبارة الخرقيّ: ومن أُحيل بحقه على مليء، فواجب عليه أن يحتال. انتهى.

وقال ابن قُدامة - رحمه الله - عند شرح قول الخرقيّ المذكور، ما حاصله: والظاهر أن الخرقيّ أراد بالمليء ههنا القادر على الوفاء، غير الجاحد، ولا المماطل، قال: فإذا أحيل على من هذه صفته، لزم المحتال، والمحال عليه القبول، ولم يعتبر رضاهما، وقال أبو حنيفة: يعتبر رضاهما؛ لأنها معاوضة، فيعتبر الرضا من المتعاقدين، وقال مالك، والشافعي: يعتبر رضى المحتال؛ لأن حقه في ذمة المحيل، فلا يجوز نقله إلى غيرها بغير رضاه، كما لا يجوز أن يجبره على أن يأخذ بالدين عرضًا، فأما المحال عليه، فقال مالك: لا يعتبر رضاه، إلا أن يكون المحتال عدوه، وللشافعي في اعتبار رضائه قولان: أحدهما: يعتبر، وهو يحكى عن الزهري؛ لأنه أحد من تتم به الحوالة، فأشبه المحيل، والثاني: لا يعتبر؛ لأنه أقامه في القبض مقام نفسه، فلم يفتقر إلى رضى من عليه الحق، كالتوكيل.

قال: ولنا قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع"، ولأن


(١) "المغني" ٧/ ٥٦.