للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للمحيل أن يوفي الحق الذي عليه بنفسه، وبوكيله، وقد أقام المحال عليه مقام نفسه في التقبيض، فلزم المحال القبول، كما لو وكل رجلًا في إيفائه، وفارق ما إذا أراد أن يعطيه عما في ذمته عرضًا؛ لأنه يعطيه غير ما وجب له، فلم يلزمه قبوله. انتهى (١).

فال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما قاله الحنابلة، وأبو ثور، وابن جرير، وأهل الظاهر من كون الأمر للوجوب، وأنه يجب على المحال القبول، إذا توافرت الشروط هو الأرجح؛ لأمْره - صلى الله عليه وسلم - بذلك، والأصل في الأمر الوجوب، إلا لصارف، ولا يوجد هنا صارف، من نصّ، ولا إجماع، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم، هل يرجع المحتال على المحيل بعد الحوالة، أم لا؟:

قال في "الفتح" - رحمه الله - ما حاصله: سئل قتادة، والحسن، عن رجل احتال على رجل، فأفلس؟ قالا: إن كان مليًّا يوم احتال عليه، فليس له أن يرجع، وقيّده أحمد بما إذا لم يعلم المحتال بإفلاس المحال عليه، وعن الْحَكَم: لا يرجع، إلا إذا مات المحال عليه، وعن الثوريّ يرجع بالموت، وأما بالفَلَس، فلا يرجع إلا بمحضر المحيل والمحال عليه، وقال أبو حنيفة: يرجع بالفَلَس مطلقًا، سواء عاش، أو مات، ولا يرجع بغير الفلس، وقال مالك: لا يرجع إلا إن غرّه، كأن علم فَلَس المحال عليه، ولم يُعلمه بذلك، وقال الحسن، وشريح، وزفر: الحوالة كالكفالة، فيرجع على أيهما شاء، وبه يشعر إدخال البخاريّ أبواب الكفالة، في كتاب الحوالة.

وذهب الجمهور إلى عدم الرجوع مطلقًا، واحتج الشافعي بأن معنى قول الرجل: أحلته، وأبرأني، حَوَّلت حقه عني، وأثبته على غيري، وذَكَر أن محمد بن الحسن احتجّ لقوله، بحديث عثمان؛ أنه قال في الحوالة، أو الكفالة: يرجع صاحبها، لا تَوَى؛ أي: لا هلاك على مسلم، قال: فسألته عن إسناده، فذكره عن رجل مجهول، عن آخَر معروف، لكنه منقطع بينه وبين


(١) "المغني" ٧/ ٦٢ - ٦٣.