للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) - رضي الله عنه - (أَن رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ) بضم حرف المضارعة، على البناء للمجهول، وبالرفع على أنه خبرٌ، و"لا" نافية، والمراد به مع ذلك النهي، وذكر عياض أنه في رواية أبي ذرّ بالجزم بلفظ النهي.

وقال وليّ الدين - رحمه الله -: قوله: "لا يُمْنَع" رُوي بالرفع على أنه خبر، وبالجزم على النهي، وقد رويناه بالوجهين في "صحيح البخاريّ"، فالجزم رواية الحافظ أبي ذرّ عبد بن أحمد الهرويّ، والرفع هو المشهور، وهو خبر اللفظ، نَهْيٌ من جهة المعنى، وقد دلّ على ذلك قوله في الرواية الأخرى، وهي في "الصحيحين": "لا تمنعوا" بلفظ النهي الصريح. انتهى (١).

وقال في "الفتح": المراد بالفضل ما زاد على الحاجة، ولأحمد من طريق عبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "لا يُمنَع فضلُ ماء بعد أن يُستَغنَى عنه"، وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة، وكذلك في الموات إذا كان بقصد التملك، والصحيح عند الشافعية، ونَصَّ عليه في القديم وحرملةَ؛ أن الحافر يملك ماءها، وأما البئر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق، لا التملك، فإن الحافر لا يملك ماءها، بل يكون أحقّ به إلى أن يرتحل، وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته، والمراد: حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته، هذا هو الصحيح عند الشافعية، وخَصّ المالكية هذا الحكم بالموات، وقالوا في البئر التي في الملك: لا يجب عليه بذل فضلها، وأما الماء الْمُحْرَز في الإناء، فلا يجب بذل فضله لغير المضطرّ على الصحيح (٢).

وقوله: (فَضْلُ الْمَاءِ) فيه جواز بيع الماء لأن المنهي عنه منع الفضل، لا منع الأصل، وفيه أن محل النهي ما إذا لم يجد المأمور بالبذل له ماء غيره، والمراد تمكين أصحاب الماشية من الماء، ولم يقل أحد: إنه يجب على صاحب الماء مباشرة سقي ماشية غيره، مع قدرة المالك. (لِيُمْنَعَ بِهِ الْكلأُ")


(١) "طرح التثريب" ٦/ ١٧٩.
(٢) "الفتح" ٦/ ١٥٧ - ١٥٨.