أحدهما: جواب أبي العباس بن القاصّ، وأبي سلمان الخطابيّ، والقفال، وغيرهم؛ أن المراد الهرّة الوحشية، فلا يصح بيعها؛ لعدم الانتفاع بها، إلا على الوجه الضعيف القائل بجواز أكلها.
والثاني: أن المراد نهي تنزيه، والمراد النهي على العادة بتسامح الناس فيه، ويتعاورونه في العادة، فهذان الجوابان هما المعتمدان.
وأما ما ذكره الخطابيّ، وابن المنذر أن الحديث ضعيف، فغَلَطٌ منهما؛ لأن الحديث في "صحيح مسلم" بإسناد صحيح، وقول ابن المنذر: إنه لم يروه عن أبي الزبير، غير حماد بن سلمة، فغَلَظ أيضًا، فقد رواه مسلم في "صحيحه" من رواية مَعْقِل بن عبيد الله، عن أبي الزبير، فهذان ثقتان روياه عن أبي الزبير، وهو ثقة أيضًا، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١).
قال الجامع عفا الله عنه: الحديث صحيح بلا شكّ، فقد أخرجه مسلم في "صحيحه"، ولم ينفرد به حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، بل تابعه فيه مَعْقِل بن عبيد الله، كما هنا، ولم ينفرد به أبو الزبير، بل تابعه أبو سفيان طلحة بن نافع، عن جابر - رضي الله عنه - فقد أخرجه أبو داود والترمذيّ بإسناد صحيح، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر - رضي الله عنه - قال:"نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب، والسّنّوْر".
فتبيّن بهذا أن الحقّ ما ذهب إليه أبو هريرة، وطاوس، ومجاهد، وجابر بن زيد من عدم جواز بيع الهرّة؛ لصحّة النهي الصريح عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عنه، وقد تقدّم عن ابن المنذر أنه قال: إن ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - النهي عن بيعه فبيعه باطل، فقد ثبت النهي، فالبيع باطل عند ابن المنذر أيضًا، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.