ونحو من حديث عبد الله بن المغفل حديث جابر بن عبد الله، قال: قد أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تَقْدَم من البادية بكلبها، فنقتله، ثم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتلها فقال:"عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين؛ فإنه شيطان"، فمقتضاه: أن الأمر كان بقتل الكلاب عامًّا لجميعها، وأنه نُسخ عن في جميعها إلا الأسود، وقد ذهب إلى هذا بعض العلماء.
ولَمَّا اضطربت هذه الأحاديث المروية وجب عرضها على القواعد الأصولية، فنقول: إن حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ليس فيه أكثر من تخصيص عموم باستثناءٍ مقترنٍ به، وهو أكثر في تصرفات الشرع من نسخ العموم بكليته، وأيضًا: فإن هذه الكلاب المستثنيات الحاجةُ إليها شديدة، والمنفعة بها عامَّة وَكِيدة، فكيف يأمر بقتلها؟ هذا بعيد من مقاصد الشرع، فحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أولى، والله أعلم.
قال: والحاصل من هذه الأحاديث: أن قتل الكلاب غير المستثنيات مأمور به إذا أضرَّت بالمسلمين، فإن كثر ضررها وغلب، كان الأمر على الوجوب، وإن قل وندر، فأيُّ كلب أضرَّ وجب قتله، وما عداه جائز قتله؛ لأنه سَبُعٌ لا منفعة فيه، وأقل درجاته توقع الترويع، وأنه يُنقص من أجر مقتنيه كل يوم قيراطين، فأمَّا المرَوِّع منهن غير المؤذي، فقتله مندوب إليه، وأما الكلب الأسود ذو النقطتين: فلا بُدَّ من قتله للحديث المتقدِّم، وقلّما يُنتفَع بمثل تلك الصفة؛ لأنه إن كان شيطانًا على الحقيقة فهو ضرر محض، لا نفع فيه، وإن كان على التشبيه به، فإنما شبِّه به للمفسدة الحاصلة منه، فكيف يكون فيه منفعة؟! ولو قَدَّرنا فيه أنه ضارٍ، أو للماشية، لقُتِل؛ لنصّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم - على قتله.
انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (١)، وسيأتي تمام البحث في هذا في المسألة الثالثة - إن شاء الله تعالى -.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - هذا متّفقٌ عليه.