رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومه ذلك على ذلك، ثم وقع في نفسه جِرْوُ كلب تحت فسطاط لنا، فأَمر به، فأُخرج، ثم أخذ بيده ماءً، فنضح مكانه، فلما أمسى لقيه جبريل، فقال له: قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة، قال: أجل، ولكنا لا ندخل بيتًا فيه كلب، ولا صورةٌ، فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ، فأمر بقتل الكلاب، حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير، ويترك كلب الحائط الكبير. انتهى.
[تنبيه آخر]: قال القرطبيّ - رحمه الله -:: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - رُوي مطلقًا من غير استثناء، كما قال في رواية مالك (١)، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الكلاب، وروي مقيَّدًا بالاستثناء المتَصل، كرواية عمرو بن دينار، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -؛ أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد، أو كلب غنم، أو ماشية، فيجب على هذا ردّ مطلق إحدى الروايتين إلى مقيَّدهما، فإن القضية واحدة، والرَّاوي لهما واحد، وما كان كذلك وجب فيه ذلك بالإجماع، كما بيَّنَّاه في أصول الفقه، وهذا واضح في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
وعليه: فكلب الصيد، والماشية، لم يتناولهما قط عموم الأمر بقتل الكلاب؛ لاقتران استثنائهما من ذلك العموم.
وإلى الأخذ بهذا الحديث ذهب مالك، وأصحابه، وكثير من العلماء، فقالوا: بقتل الكلاب إلا ما استُثني منها، ولم يروا الأمر بقتل ما عدا المستثنى منسوخًا، بل محكمًا، وأما حديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - فمقتضاه غير هذا، وذلك: أنَّه قال فيه: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب، ثم قال:"ما بالهم وبال الكلاب"، ثم رَخَّص في كلب الصيد، وكلب الغنم، والزرع، ومقتضى هذا: أنَّه أمرهم بقتل جميع الكلاب من غير استثناء شيء منها، فبادروا، وقتلوا كل ما وجدوا منها، ثم بعد ذلك رخص فيما ذكر، فيكون هذا الترخيص من باب النسخ؛ لأن العموم قد استقرَّ، وبردَ، وعُمِل عليه، فرفعُ الحكم عن شيء مما تناوله نسخ لا تخصيص، وقد ذهب إلى هذا في هذا الحديث بعض العلماء،
(١) قال الجامع: هذا بالنسبة لرواية مالك عند الشيخين، وإلا فقد أخرجه النسائيّ عن طريقه بلفظ: "أمر بقتل الكلاب، غيرَ ما استَثْنَى منها"، فتنبّه.