قال النوويّ: وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث، ويكون حديث ابن المغفَّل مخصوصًا بما سوى الأسود؛ لأنه عامّ، فيخص منه الأسود بالحديث الآخر، وأما اقتناء الكلاب فمذهبنا أنه يحرم اقتناء الكلب بغير حاجة، ويجوز اقتناؤه للصيد، وللزرع، وللماشية، وهل يجوز لحفظ الدُّور، والدُّرُوب، ونحوها؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز؛ لظواهر الأحاديث، فإنها مصرِّحة بالنهي، إلا لزرع، أو صيد، أو ماشية، وأصحها: يجوز قياسًا على الثلاثة؛ عملًا بالعلة المفهومة من الأحاديث، وهي الحاجة، وهل يجوز اقتناء الْجِرو، وتربيته للصيد أو الزرع أو الماشية؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما جوازه. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١).
وقال ابن عبد البرّ - رحمه الله - في كتابه "التمهيد": اختَلَفت الآثار في قتل الكلاب، واختَلَف العلماء في ذلك أيضًا:
فذهب جماعة من أهل العلم إلى الأمر بقتل الكلاب كلها، إلا ما ورد الحديث بإباحة اتخاذه منها للصيد، والماشية، وللزرع أيضًا، وقالوا: واجب قتل الكلاب كلها، إلا ما كان منها مخصوصًا بالحديث؛ امتثالًا لأمره - صلى الله عليه وسلم -، واحتجوا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - المذكور في الباب، وبحديث جابر أيضًا.
قال: ورُوي عن عبد الله بن جعفر أن أبا بكر - رضي الله عنه - أمر بقتل الكلاب، قال عبد الله: وكانت أمي تحته، وكان جِرْوٌ لي تحت السرير، فقلت له: يا أبي وكلبي أيضًا؟ فقال: لا تقتلوا كلب ابني، ثم أشار بإصبعه أن خذوه من تحت السرير، فأُخذ وأنا لا أدري، فقُتل.
ورَوَى حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع؛ أن ابن عمر - رضي الله عنهما - دخل أرضًا له، فرأى كلبًا، فَهَمّ أن يقع بِقَيِّم أرضه، فقال: إنه والله كلبٌ عابرٌ دخل الآن، قال: فأخذ الْمِسْحاة، وقال: حَرِّشوه عليّ، قال: فشحطه.
قوله:"فشحطه"؛ أي: قتله في أعجل شيء.
فهذا أبو بكر الصديق، وابن عمر - رضي الله عنهما - قد عَمِلا بقتل الكلاب بعد