رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجاء نحو ذلك عن عمر، وعثمان، فصار ذلك سنةً معمولًا بها عند الخلفاء، لم يَنسخها عند مَن عَمِل بها شيء.
وإلى هذا ذهب مالك بن أنس، قال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول في قتل الكلاب: لا أرى بأسًا أن يأمر الوالي بقتلها.
قال أبو عمر: ظاهر حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، وحديث جابر يدلّ على قتل جميع الكلاب، ولكن الحديث في ذلك ليس على عمومه؛ لمَا قد بان في حديث ابن شهاب، عن مالك، عن سالم، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: فكانت الكلاب تُقْتَل، إلا كلب صيد، أو ماشية، ومثله حديث عبد الله بن مغفل: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَر بقتل الكلاب، ورَخَّص في كلب الزرع، والصيد.
وقال آخرون: أمْره - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب منسوخ بإباحته اتخاذ ما كان منها للماشية، والصيد، والزرع، واحتجّ قائلو هذه المقالة بحديث عبد الله بن الْمُغَفَّل - رضي الله عنه - قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الكلاب، ثم قال: ما لي وللكلاب؟ ثم رَخَّص في كلب الصيد.
قالوا: ففي هذا الخبر أن كلب الصيد قد كان أَمَر بقتله، ثم أباح الانتفاع به، فارتفع القتل عنه، قالوا: ومعلوم أن كل ما يُنتفَع به جائزٌ اتخاذُهُ، ولا يجوز قتله إلا ما يؤكل، فَيُذَكَّى، ولا يُقتَل.
واحتجّوا أيضًا بحديث جابر رضي الله تعالى عنه:"أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلّى الله تعالى عليه وسلم بقتل الكلاب، قال: فكنّا نقتلها حتّى قال: إنها أمّة من الأمم، ثم نهى عن قتلها، وقال: عليكم بالأسود … " الحديث.
قال أبو عمر: حديث جابر لا حجّة فيه لمن أمر بقتل الكلاب، بل الحجة فيه لمن لم ير قتلها. قالوا: فهذا يدلّ على أن الإباحة في اتّخاذها وحبّه أن لا يُفنيها، كان بعد الأمر بقتلها. قالوا: وقد رخّص في كلب الصيد، ولم يخصّ أسود بهيمًا من غيره. وقد قالوا: إن الأسود البهيم من الكلاب أكثرها أذًى، وأبعدها من تعليم ما ينفع، ولذلك رُوي أن الكلب الأسود شيطان؛ أي: بعيد من المنافع، قريبٌ من المضرّة والأذى، وهذه أمورٌ لا تُدرك بنظر، ولا يوصل إليها بقياس، وإنما يُنتهى فيها إلى ما جاء عنه صلّى الله تعالى عليه وسلم.