للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السلف والخلف: لا يحرم كسب الحجام، ولا يحرم أكله، لا على الحرّ، ولا على العبد، وهو المشهور من مذهب أحمد، وقال في رواية عنه، قال بها فقهاء المحدّثين: يحرم على الحرّ دون العبد، واعتمدوا على هذه الأحاديث وشِبْهها، واحتج الجمهور بحديث ابن عباس بأن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- احتجم وأعطى الحجام أجره، قالوا: ولو كان حرامًا لم يعطه، رواه البخاريّ ومسلم، وحملوا هذه الأحاديث التي في النهي على التنزيه، والارتفاع عن دني الأكساب، والحثّ على مكارم الأخلاق، ومعالي الأمور، ولو كان حرامًا لم يفرق فيه بين الحرّ والعبد، فإنه لا يجوز للرجل أن يُطعم عبده ما لا يحل. انتهى (١).

وقال في "الفتح": اختَلَف العلماء في هذه المسألة، فذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ حَلَال، وَاحْتَجُّوا بِحديث: "احتجم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأعطى الحجام أجره"، متّفقٌ عليه، فقد قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: "احتجم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأعطى الحجام أجره، ولو عَلِم كراهيةً لم يُعطه"، رواه البخاريّ، وَقَالُوا: هُوَ كَسْب، فِيهِ دَنَاءَة، وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، فَحمَلُوا الزَّجْر عَنهُ عَلَى التَّنْزِيه.

وَمِنْهُمْ مَن ادَّعَى النَّسْخ، وَأَنَّهُ كَانَ حَرَامًا، ثُمَّ أُبِيحَ، وَجَنَحَ إِلَى ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ، وَتُعُقّب بأن النَّسْخ لَا يَثْبُت بِالِاحْتِمَالِ.

وَذَهَبَ أَحْمَد، وَجَمَاعَة إِلَى الْفَرْق بَيْن الْحُرّ وَالْعَبْد، فَكَرِهُوا لِلْحُرِّ؛ الاحْتِرَاف بِالْحِجَامَةِ، وَيَحْرُم عَلَيْهِ الإِنْفَاق عَلَى نَفْسه مِنْهَا، وَيَجُوز لَهُ الْإنْفَاق عَلَى الرَّقِيق، وَالدَّوَابّ مِنْهَا، وَأَبَاحُوهَا لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا، وَعُمْدَتهمْ حَدِيث مُحَيِّصَةَ؛ أنَّهُ سَأَلَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- عَن كَسْب الْحَجَّام؟ فَنَهَاهُ، فَذَكَر لَهُ الْحَاجَة، فَقَالَ: "اعْلِفْهُ نَوَاضِحك". أَخْرَجَهُ مَالِك، وَأَحْمَد، وَأَصْحَاب "السُّنَن"، وَرِجَاله ثِقَات.

وَذَكَرَ ابْن الْجَوْزِيّ (٢)؛ أَنَّ أَجْر الْحَجَّام إِنَّمَا كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَشْيَاء الَّتِي تَجِب لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِم إِعَانَة لَهُ، عِنْد الاحْتِيَاج لَهُ، فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأخُذ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا. وَجَمَعَ ابْن الْعَرَبِيّ بَيْن قَوْله -صلى الله عليه وسلم-: "كَسْب الْحَجَّام خَبِيث"، وَبَيْن إِعْطَائِهِ الْحَجَّام أُجْرَته، بِأَنَّ مَحَلّ الْجَوَاز، مَا إِذَا كَانَتْ الْأُجْرَة


(١) "شرح النوويّ" ١٠/ ٢٣٣.
(٢) "كشف المشكل" ١/ ٤٣٧.