"في"، وفاعل "كان" ضمير "الرجل": أيْ فلما استقرّ في الليل، ووصل إليه (لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ) أي لشدّة ألمه، وفي رواية البخاريّ من طريق شعيب:"فوجد الرجل ألم الجراحة"(فَقَتَلَ نَفْسَهُ) أي بنحر نفسه، وفي رواية البخاريّ من طريق شعيب المتقدّمة:"فأهوى بيده إلى كنانته، فاستخرج منها أسهمًا، فنَحَرَ بها نفسه".
(فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِذَلِكَ) وفي رواية البخاريّ المذكورة: "فاشتدّ رجال من المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، صدَّقَ الله حديثك، انتحر فلانٌ، فقتل نفسه"(فَقَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ") قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الله أكبر إلخ" عند وقوع ما أخبر به من الغيب دليلٌ على أن ذلك من جملة معجزاته - صلى الله عليه وسلم -، وإن لَمْ يقترن بها في تلك الحال تَحَدٍّ قوليُّ، وهذا على خلاف ما يقوله المتكلّمون: إن من شروط المعجزة اقتران التحدّي القوليّ بها، فإن لَمْ تكن كذلك فالخارق كرامة، لا معجزة، والذي ينبغي أن يقال: إن ذلك لا يُشترط، بدليل أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا كلّما ظهر لهم خارقٌ للعادة على يدي النبيّ - صلى الله عليه وسلم - استدلّوا بذلك على صدقه، وثبوت رسالته، كما قد اتّفق لعمر - رضي الله عنه -، حين دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قليل الأزواد، فكثرت، فقال عند ذلك: أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأنك رسول الله، وكقول أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -، وبدليل الاتّفاق: على نبع الماء من بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم -، وتسبيح الحصى في كفّه، وحَنِين الْجِذع من أظهر معجزاته - صلى الله عليه وسلم -، ولم يصدُر عنه مع شيء من ذلك تحدٍّ بالقول عند وقوع تلك الخوارق، ومع ذلك فهي معجزات، والذي ينبغي أن يقال: إن اقتران القول لا يلزم، بل يكفي من ذلك قولٌ كليٌّ يتقدّم الخوارق، كقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: الدليل على صدقي ظهور الخوارق على يدي، فإن كلّ ما يظهر على يديه منها بعد ذلك يكون دليلًا على صدقه، وإن لَمْ يقترن بها واحدًا واحدًا قولٌ، ويمكن أن يقال: إن قرينة حاله تدلّ على دوام التحدّي، فيتنزّل ذلك منزلة اقتران القول. انتهى كلام القرطبيّ (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن اشتراط اقتران التحدّي في