للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حدوث المعجزة مما لا دليل عليه، وإنما المعجزة تحدث بحسب الحاجة، فمن ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لما فقد شيئًا يستتر به عند قضاء الحاجة، أمر جابرًا - رضي الله عنه - أن يأمر الشجرتين حتى تأتيا، وتستراه، ففعلتا ذلك، ولما فقد الصحابة - رضي الله عنهم - ماء للوضوء، ورأى شدّة حاجتهم إليه وضع يده على الإناء، فنبع الماء حتى توضؤوا من عند آخرهم، ولما دعاه جابر - رضي الله عنه - في غزوة الخندق إلى طعام قليل، فرأى شدّة الجوع على أصحابه - رضي الله عنهم -، فبرّك في ذلك الطعام حتى أكلوا كلّهم، وشبعوا، وكذلك فَعَلَ في طعام أم سليم - رضي الله عنها -، وطعام وليمة زينب بنت جحش - رضي الله عنها -، وكحنين الجذع، وشكوى البعير الذي يُجيعه صاحبه، وغير ذلك مما ثبت في "الصحيحين"، وغيرهما، وليس في ذلك كلّه شيء من التحدّي، بل إنما حدث لتقوية إيمان الصحابة، وتثبيته؛ لأنه يزيد بكثرة الأدلّة، وزيادة الآياتِ.

والحاصل أن أكثر معجزات النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ليس معها تحدّ أصلًا، فمن اشترط ذلك من المتكلّمين فإنما حمله على ذلك جهله بالسنّة، وعدم اطّلاعه على الأخبار التي جاءت ببيان المعجزات، وإنما الغريب على مثل القرطبيّ الذي عنده علم بالسنة، وأخبار المعجزات يذكر مذهب المتكلّمين، ولا يفنّده، بل يأتي بما يقرّره، إن هذا لشيء عُجاب، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(ثُمَّ أَمَرَ) بالبناء للفاعل، وفاعله ضمير النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: (بِلَالًا) - رضي الله عنه - منصوب على المفعولية، ومتعلَّقه محذوف لدلالة ما بعده عليه: أي بالنداء، وفي رواية عند المصنّف: "يا ابن الخطّاب"، وفي رواية عند البيهقيّ: أن المنادي بذلك عبد الرَّحمن بن عوف، ويُجمَعُ بينها بانهم نادوا جميعًا في جهات مختلفة، قاله في "الفتح" (١). (فَنَادَى فِي النَّاسِ: "إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) يجوز في "إنّه"، وكذا في "إِنّ الله ليؤيّد" كسر همزة "إنّ"، وفتحها، وقد قُرئ في السبع قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ} [آل عمران: ٣٩] بفتح الهمزة وكسرها، قاله النوويّ (٢).


(١) "فتح" ٧/ ٥٤٢ "كتاب المغازي" رقم الحديث (٤٢٠٧ - ٤٢٠٨).
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ١٢٢.