للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أنه لَمّا سمع أن فيهما إثمًا كبيرًا، وأن إثمهما أكبر من نفعهما، وأنه قد منع من الصلاة في حال السُّكْر، ظهر له أن هذا مناسبٌ للمنع منها، فتوقّع ذلك. انتهى (١).

(وَلَعَلَّ اللهَ سَيُنْزِلُ فِيهَا أَمْرًا) يعني تحريمها (فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا) أي: من الخمر (شَيْءٌ فَلْيَبِعْهُ، وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ) قال القرطبيّ رحمه الله: فيه دليل على أن الخمر وبيعها كانا مباحين إباحةً متلقاة من الشرع؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قرّر أصحابه عليها، وليس ذلك من باب البقاء على البراءة الأصلية؛ لأن إقراره دليلُ الجواز والإباحة، كما قررناه في الأصول.

وفيه دليلٌ على اغتنام فرصة المصالح المالية إذا عرضت، وعلى صيانة المال، وعلى بذل النصيحة والإشارة بأرجح ما يعلمه من الوجوه المصلحية. انتهى (٢).

(قَالَ) أبو سعيد -رضي الله عنه- (فَمَا) نافية (لَبِثْنَا) بكسر الموحّدة، من باب تَعِبَ؛ أي: لم نمكُث (إِلَّا يَسِيرًا) أي: وقتًا قليلًا (حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-) وفي بعض النسخ: "حتى قال -صلى الله عليه وسلم-" ("إِنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ، فَمَنْ) شرطيّة (أَدْرَكَتْهُ) أي: من بلغته، وهو بصفات المكلَّفين، من العقل، والبلوغ (هَذِهِ الآيَةُ) يعني بالآية: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} الآية [المائدة: ٩٠]، قاله القرطبيّ رحمه الله (٣). (وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ) جملة في محلّ نصب على الحال (فَلَا يَشْرَبْ، وَلَا يَبِعْ") أي: لا يحلّ له أن يشرب الخمر، ولا أن يبيعها (قَالَ) أبو سعيد: (فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ) يقال: استَقبلتُ الشيءَ: إذا واجهته، فهو مُستَقبَلٌ بفتح الموحّدة، اسم مفعول (٤)، والمعنى أنهم توجّهوا، وذهبوا (بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا) أي: من الخمر (فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَسَفَكُوهَا) أي: أراقوها، وصبّوها، يقال: سَفَكتُ الدمَ، والدمعَ، من باب ضرب، وفي لغة من باب قَتَلَ: أرقته، والفاعل: سافكٌ، وسَفّاكٌ مبالغة (٥).


(١) "المفهم" ٤/ ٤٥٥.
(٢) المفهم" ٤/ ٤٥٥.
(٣) "المفهم" ٤/ ٤٥٦.

(٤) "المصباخ المنير" ٢/ ٤٨٨.
(٥) "المصباح المنير" ١/ ٢٧٩.