للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بل إنما جرت في مواضع يسيرة يمكن التحرُّز عنها. هذا مع ما يحصل في ذلك

من فائدة شهرة إراقتها في طرق المدينة ليشيع العمل على مقتضى تحريمها من

إتلافها، وأنه لا ينتفع بها. ويتتابع الناس، ويتوافقوا على ذلك، والله أعلم.

انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: وبعد هذه المصاولات والمجاولات من القرطبيّ

لم يأتنا بشيء صريح من الأدلّة يُتمسّك به على نجاسة الخمر، لا من النصّ،

ولا من الإجماع، فإن المسألة مختلف فيها، كما سبق في كلامه، ولم ينفرد

ربيعة الرأي بالقول بطهارتها، فقد نُقِل عن الليث بن سعد، والمزنيّ من

أصحاب الشافعيّ، ونقله القاضي عياض عن سعيد بن الحذّاء، والهرويّ (٢)،

فالحقّ أن القول بطهارتها هو الأشبه، كما مرّ قريبًا، فتبصّر بالإنصاف، ولا

تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم تخليل الخمر:

قال الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ رحمه الله: قد اختَلَف الفقهاء في تخليل

الخمر، فقال مالك فيما رَوَى عنه ابن القاسم، وابن وهب: لا يحلّ لمسلم أن

يخلل الخمر، ولكن يهريقها، فإن صارت خلًّا بغير علاج فهو حلالٌ، لا بأس

به، وهو قول الشافعيّ، وعبيد الله بن الحسن البصريّ، وأحمد بن حنبل.

ورَوَى أشهب عن مالك قال: إذا خَلَّل النصرانيّ خمرًا، فلا بأس بأكله،

وكذلك إن خللها مسلم، واستَغفَرَ الله، وهذه الرواية ذكرها ابن عبد الحكم في

كتابه، وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول فيمن اشترى قِلالَ خَلّ، فوجد فيها

قُلّة خمر، قال: لا يجعل فيها شيئًا يُخلِّلها، قال: ولا يحل للمسلم أن يعالج

الخمر حتى يجعلها خلًّا، ولا يبيعها، ولكن يهرقها، فإن فات علاجها بعد أن

وُجدت خمرًا من غير علاج، فإنها حلالٌ لا بأس بها، إن شاء الله.

قال ابن وهب: وهو قول عمر بن الخطاب، والزهريّ، وربيعة.

وكان أبو حنيفة، والثوريُّ، والأوزاعيُّ، والليث بن سعيد: لا يرون بأسًا

بتخليل الخمر، وقال أبو حنيفة: إن طرح فيها السمك، والملح، فصارت


(١) "المفهم" ٤/ ٤٥٨ - ٤٦٠.
(٢) راجع: "إكمال المعلم" ٥/ ٢٥٢.