محرَّمًا أن يكون نجسًا؛ فكم من محرّم في الشرع ليس بنجس.
فالجواب: أنها وإن لم يكن فيها لفظٌ نصٌّ بالوضع الْمُتَّحِد، لكن فيها ما يدلُّ دلالة النصوصية بمجموع قرائن الآية ومساقها، ويَعْرفُ ذلك من تصفَّح الآية وتفهَّمها. ثم ينضاف إلى الآية جملة ما ذكرناه، فيحصل اليقين بالحكم بتنجيسها. ثم لو التزمنا ألا نحكم بحكم إلا حتى نجد فيه نصًّا لتعطلت الشريعة، فإن النصوص فيها قليل. وأيُّ نص يوجد على تنجيس البول، والعذرة، والدَّم، والميتة، وغير ذلك، ولا يوجد نصٌّ تنجيس شيء مما هنالك. وإنما هي الظواهر، والعمومات، والأقيسة.
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: ولا يوجد نصّ على تنجيس شيء إلخ لا يخفى ما فيه من المجازفة، فقد جاءت نصوص كثيرة في نجاسة أشياء؛ كالبول، ودم الحيض والاستحاضة، والمذي، والميتة، وغير ذلك، فلتراجع النصوص الصحيحة الكثيرة لذلك.
قال: وقوله: لا يلزم من الحكم بالتحريم الحكم بالتنجيس. قلنا: لم نستدل بمجرد التحريم، بل بتحريم مستخبث شرعيّ يحرم شربه، وإن شئت أن تحرر قياسًا؛ قلت: مستخبث شرعًا، يحرم شربه، فيكون نجسًا؛ كالبول، والدَّم، وهذا هو الأولى بربيعة، فإنه الملقَّب بـ "ربيعة الرأي"، والله تعالى أعلم.
وقد استدل بعض من تابع ربيعة على عدم تنجيس الخمر، وهو سعيد بن الحداد القروي بسفك الخمر على طرق المدينة. قال: ولو كانت نجسة لما فعلوا ذلك، ولنهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه، كما نهى عن التخلَّي في الطرق.
والجواب: أن الصحابة -رضي الله عنهم- فعلت ذلك لضرورة الحال؛ لأنهم لم يكن لهم سُروبٌ، ولا آبارٌ يريقونها فيها؛ إذ الغالب من حالهم: أنهم لم تكن لهم كُنُف في بيوتهم. وقالت عائشة -رضي الله عنها-: إنهم كانوا يتقذرون من اتخاذ الكنف في البيوت، ونَقْلها إلى خارج المدينة فيه كلفة، ومشقة، ويلزم منه تأخير ما وجب على الفور، فالتحق صبّها في الطرق بالنجاسات التي لا تنفكُّ الطرق عنها، كأرواث الدواب، وأبوالها. وأيضًا، فإنها يمكن التحرُّز منها، فإن طرق المدينة كانت واسعة، ولم تكن الخمر من الكثرة، بحيث تصير نهرًا يعمّ الطريق كلّها،