للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهو مذهب الشافعيّ، وظاهر هذا الحديث شاهد لصحة ذلك، قال: فلم أر وجهًا لذكر اختلاف الفقهاء في بيع السرجين والزَّبل ها هنا؛ لأن كل قول تعارضه السنة وتدفعه، ولا دليل عليه من مثلها، لا وجه له، قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الآية [الأحزاب: ٣٦].

قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم في كتاب الطهارة أن الأرجح من أقوال العلماء طهارة الزِّبل والسِرْجين، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

٩ - (ومنها): أن فيه دليلًا على أن الإثم مرفوع عمن لم يَعْلَم. قال الله عز وجل {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]، ومن أمكنه التعلم ولم يتعلم أثم، والله أعلم.

١٠ - (ومنها): أن فيه دليلًا على أن الخمر لا يجوز لأحد تخليلها، ولو جاز لأحد تخليلها ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لِيَدَع الرجل أن يفتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما؛ لأن الخلّ مالٌ، وقد نَهَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن إضاعة المال، بل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمره أن يُخَلِّلها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "نِعْمَ الإدام الخلّ"، ولأنه -صلى الله عليه وسلم- أنصح الناس للناس، وأدلهم على قليل الخير وكثيره (١).

١١ - (ومنها): ما قال القرطبيّ رحمه الله: وقد فَهِمَ الجمهور من تحريم الخمر وبيعها، والمنع من الانتفاع بها، واستخباث الشرع لها، لإطلاق الرِّجس عليها، والأمر باجتنابها، الحكمَ بنجاستها.

وخالفهم في ذلك ربيعة وحده (٢) من السلف فرأى: أنها طاهرة، وأن المحرَّم إنما هو شربها، وهو قولٌ شاذ يردُّه ما تقدَّم، وما كان يليق بأصول ربيعة، فإنه قد علم أن الشرع قد بالغ في ذم الخمر حتى لعنها وعَشَرةً بسببها، وأمر باجتنابها، وبالغ في الوعيد عليها. فمن المناسب بتصرفات الشرع الحكم بتنجيسها مبالغة في المباعدة عنها، وحماية لقربها.

فإن قيل: التنجيس حكم شرعي، ولا نصّ فيه، ولا يلزم من كون الشيء


(١) "التمهيد لابن عبد البرّ" ٤/ ١٤٦.
(٢) بل تابعه غيره، فقد حكي عن الليث بن سعد، والمزنيّ من أصحاب الشافعيّ، فتنبّه.