للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ رحمه الله: فيه دليلٌ على أن العالم إذا خاف على أحد الوقوع فيما لا يجوز وجب عليه أن يستكشف عن ذلك الشيء حتى يتبيّن له وجهه، ولا يكون هذا من باب التجسّس، بل من باب النصيحة، والإرشاد.

٥ - (ومنها): ما قاله النوويّ رحمه الله: إن فيه دليلًا لمذهب الشافعيّ، والجمهور أن أواني الخمر لا تُكسَر، ولا تُشقّ، بل يراق ما فيها، وعن مالك روايتان:

[إحداهما]: كالجمهور.

[والثانية]: يُكسر الإناء، ويُشقّ السقاء، وهذا ضعيفٌ، لا أصل له، وأما حديث أبي طلحة -رضي الله عنه-؛ أنهم كسروا الدِّنَانَ، فإنما فعلوا ذلك بأنفسهم، من غير أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.

٦ - (ومنها): ما قاله ابن عبد البرّ رحمه الله: في هذا الحديث من الفقه أن ما يُعْصَر من العنب يسمى خمرًا في لسان العرب، لكن الاسم الشرعيّ لا يقع عليها، إلا أن تَغْلي، وتَرْمِي بالزَّبَد، ويُسكر كثيرها أو قليلها، وفي اللغة قد يُسمَّى العنب خمرًا؛ لكن الحكم يتعلق بالاسم الشرعيّ دون اللغويّ.

٧ - (ومنها): ما قاله أيضًا: إن النهي من قِبَل الله إذا ورد فحكمه التحريم، إلا أن يزيحه عن ذلك دليل يبيّن المراد منه، ألا ترى إلى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما علمت أن الله حرّمها"، ثم قال: "إن الذي حرّم شربها حرّم بيعها"، فأطلق عن الله تحريمها، ولا خلاف بين علماء المسلمين أن تحريمها إنما ورد في سورة المائدة بلفظ النهي في قوله عز وجل: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} -إلى- {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} -وإلى- {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: ٩٠ - ٩١]، وهذه الآية نسخت كلَّ لفظ ورد بإباحتها نصًّا، أو دليلًا، فنسخت ما جرى من ذكرها في سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة النحل (١).

٨ - (ومنها): ما قاله أيضًا: في ذلك أيضًا دليل على تحريم بيع العذرات وسائر النجاسات، وما لا يحل أكله، ولهذا -والله أعلم- كره مالك بيع زِبْل الدوابّ، ورخص فيه ابن القاسم؛ لِمَا فيه من المنفعة، والقياس ما قاله مالك،


(١) "التمهيد لابن عبد البرّ" ٤/ ١٤٥.