قال القاضي عياض رحمه الله: في هذا الحديث إبطال الحيَل، والحجة على من قال بها في إسقاط حدود الشرع من الكوفيين، وفيه الحجة لمالك في مراعاة الذرائع، وسدّ بابها. انتهى (١).
٥ - (ومنها): أن من احتال في استعمال الأشياء المحرّمة، كان ملعونًا؛ لكونه سلك مسلك اليهود الذين لعنهم الله تعالى؛ لانتهاكهم ما حرّم الله تعالى بالاحتيال.
٦ - (ومنها): ما قال القرطبيّ رحمه الله: هذا الحديث يدلُّ على أن تحريم الخمر كان متقدِّمًا على فتح مكة، وقد سوَّى في هذا الحديث بين الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام، فلا يجوز بيع شيء مِمَّا يقال عليه خمرٌ، وقد قدّمنا، ويأتي: أن الخمر: كل شراب يُسكر من أيّ شيء كان، من عنب أو غيره، فيحرم بيع قليله وكثيره، وقد قلنا: إن تحريم نفعه مُعَلَّل بنجاسته، وأنه ليس فيه منفعة مسوِّغة شرعًا.
قال الجامع عفا الله عنه: تعليله بالنجاسة فيه نظر، وقد قدّمنا تحقيقه، فلا تنس، والله تعالى أعلم.
قال: وأما الميتة: فيحرم بيع جميع أجزائها، حتى عظمها، وقرنها، ولا يستثنى عندنا منها شيء إلا ما لا تَحُلُّهُ الحياة كالشعر، والصوف، والوبر، فإنه طاهر من الميتة، وينتزع من الحيوان في حال حياته وهو طاهر، وهو قول مالك، وأبي حنيفة. وزاد أبو حنيفة، وابن وهب من أصحابنا إلى ذلك: أن العظم من الفيل وغيره، والسن، والقرن، والظلف، كلها لا تَحُلُّها الحياة، فلا تنجس بالموت.
والجمهور على خلافهما في العظم، وما ذُكر معه، فإنها تَحُلُّها الحياة، وهو الصحيح، فإن العظم والسن يألم، ويُحَسُّ به الحرارة والبرودة، بخلاف الشعر، وهذا معلوم بالضرورة. فأمَّا أطراف القرون، والأظلاف، وأنياب الفيلة: فاختلف فيها، هل حكمها حكم أصولها فتنجس؟ أو حكمها حكم الشَّعر؟ على قولين.