عنده، وقال الأوزاعيّ، وأبو ثور: إنما يُطَهِّرُ الدِّباغ جلد ما يؤكل لحمه. وقد أجاز مالك تذكية السِّباع والفيل لأخذ جلودها، وهذا إنما يتم على قوله بكراهة لحومها، وأما على ما قاله في "الموطأ" من أن السِّباع حرام: فلا تعمل الذكاة فيها، فلا تطهر جلودها بالدباغ، كالخنزير.
وقد شذَّ داود، وأبو يوسف فقالا: إنه يطهر بالدِّباغ جلدُ كل حيوان، حتى الخنزير، ومتمسكهما: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أيما إهاب دبغ فقد طهر"، ويعتضد أبو يوسف بقياس جلد الخنزير على جلد الميتة.
وينفصل للجمهور عنهما: بأن هذا العموم محمولٌ على نوع السبب الذي أخرجه، وهو ميتة ما تعمل الذكاة فيه، وبأن جلد الخنزير نادرٌ لا يخطر بالبال حالة الإطلاق، فلا يقصد بالعموم، كما قررناه في أصول الفقه.
وبأنه: لا يقال: إهاب إلا على جلد ما يؤكل لحمه، كما قاله النَّضْر بن شُمَيْل.
قال الجامع عفا الله عنه: الصحيح أن الإهاب اسم لكلّ جلد لم يُدبغ، سواء كان لمأكول اللحم، أو غيره، فتبصّر.
قال: وأمَّا القياس: فليس بصحيح؛ لوجود الفرق، وذلك: أن الأصل: ميتة ما تعمل الذَّكاة فيه، والفرع: ميتة ما لا تعمل الذكاة فيه. فكانت أغلظ، وأفحش، والله أعلم.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم في "كتاب الطهارة" أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن الدباغ يُطهّر جلود الميتة كلها، الخنزير والكلب، وغيرهما، كما عزاه القرطبيّ هنا إلى داود، وأبي يوسف؛ لقوّة أدلته، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
قال: وأمَّا الأصنام: فهي الصور الْمُتَّخَذَةُ للعبادة، ولا خلاف في تحريم اتخاذها، وبيعها، وإنما يجب كسرها، وتغييرها، وكذلك كل صورة مجسدة، كانت صورة ما يعقل، أو ما لا يعقل، وأما ما كان رقمًا في ثوب أو بناءً في حائط، ففيه تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقوله -وقد سُئل عن بيع شحوم الميتة-: "لا، هو حرام"؛ نصٌّ في أنه يحرم بيعها؛ وإن كانت فيها منافع، وذلك: لأنها جزء من الميتة كاللحم، أو