للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والأحاديث الواردة في هذا الباب يجب الجمع بينها، وتقييد كل واحد منها بالآخر، فنَهيُ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الطعام، إلا مثلًا بمثل، يتقيد بما فيه معيار شرعيّ، وهو الكيل والوزن، ونهيه عن بيع الصاع بالصاعين، يتقيد بالمطعوم المنهيّ عن التفاضل فيه.

وقال مالك رحمه الله: العلة القوت، أو ما يصلح به القوت، من جنس واحد من المدَّخَرات. وقال ربيعة: يجري الربا فيما تجب فيه الزكاة، دون غيره، وقال ابن سيرين: الجنس الواحد علة، وهذا القول لا يصح؛ لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، في بيع الفرس بالأفراس، والنجيبة بالإبل: "لا بأس به إذا كان يدًا بيد" (١)، ورُوي أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ابتاع عبدًا بعبدين، رواه أبو داود، والترمذي، وقال: هو حديث حسن صحيح (٢).

وقول مالك يَنتقض بالحطب والإدام، يُستصلَح به القوت، ولا ربا فيه عنده، وتعليل ربيعة ينعكس بالملح، والعكس لازم عند اتحاد العلة.

والحاصل أن ما اجتمع فيه الكيل والوزن والطعم من جنس واحد، ففيه الربا رواية واحدة؛ كالأرز، والدُّخْن، والذرة، والقطنيات، والدهن، والخل، واللبن، واللحم ونحوه، وهذا قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر: هذا قول علماء الأمصار، في القديم والحديث، سوى قتادة، فإنه بلغني أنه شَذّ عن جماعة الناس، فقصر تحريم التفاضل على ستة أشياء، وما انعدم فيه الكيل والوزن والطعم، واختلف جنسه فلا ربا فيه، رواية واحدة، وهو قول أكثر أهل العلم؛ كالتين، والنوى، والقَتّ، والماء، والطين الأرمني، فإنه يؤكل دواءً، فيكون موزونا مأكولًا، فهو إذًا من القسم الأول، وما عداه إنما يؤكل سَفَهًا، فجرى مجرى الرَّمْل، والحصى. وقد روي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعائشة: "لا تأكلي الطين، فإنه يصفر اللون" (٣)، وما وجد فيه الطعم وحده، أو الكيل أو


(١) تقدّم قريبًا أنه حديث ضعيف، فلا تنسَ.
(٢) بل رواه مسلم في "صحيحه" برقم (١٦٠٢).
(٣) قال ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد" (٤/ ٣٣٧): وكلّ حديث في الطين، فإنه لا يصحّ، ولا أصل له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.