الخدريّ ابنَ عباس، فقال له: أرأيت ما تُفتي به الناس من الصرف، أشيء وجدته في كتاب الله، أم سنة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: ولا في كليهما، وأنتم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلم به مني، ولكن أسامة بن زيد أخبرني أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"الربا في النسيئة".
قال أبو عمر: حديثه عن أسامة صحيح، ولكنه وضعه غير موضعه، وحمله على غير المعنى الذي له أَتَى.
ومعنى الحديث عند العلماء أنه خرج على جواب سائل سأل عن الذهب بالورق، أو البر بالتمر، أو نحو ذلك، مما هو جنسان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ربا إلا في النسيئة"، فسمع أسامة كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يسمع سؤال السائل، فنقل ما سمع، والله أعلم.
والدليل على صحة هذا التأويل إجماع الناس ما عدا ابنَ عباس عليه، وما صح عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، إلا مثلًا بمثل، يدًا بيد، ولا تُشفّوا بعضها على بعض"، رواه أبو سعيد الخدريّ وغيره، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
ثم أخرج أبو عمر بسنده عن أبي الجوزاء، قال: سمعت ابن عباس، وهو يأمر بالضرب (١) الدرهم بالدرهمين، والدينار بالدينارين، يدًا بيد، فقدِمت العراق، فابتليت الناس بذلك، ثم بلغني أنه نزل عن ذلك، فقدِمت مكة، فسألته، فقال: إنما كان ذلك رأيًا مني، وهذا أبو سعيد يحدث عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالنهي عنه.
ورَوى ابن عيينة، عن فُرات القزاز قال: دخلنا على سعيد بن جبير نعوده، فقال له عبد الملك بن ميسرة الزّرّاد: كان ابن عباس نزل عن الصرف، فقال سعيد: عهدي به قبل أن يموت بستة وثلاثين يومًا، وهو يقوله، وما رجع عنه.
(١) كذا في النسخة، والظاهر أن الصواب "بالصرف"، فليُحرّر.