واحتَجّ من أجاز ذلك، بأن العقد إذا أمكن حمله على الصحة، لم يُحمل على الفساد؛ لأنه لو اشترى لحمًا من قَصّاب جاز، مع احتمال كونه ميتة، ولكن وجب حمله على أنه مُذَكّى؛ تصحيحًا للعقد، ولو اشترى من إنسان شيئًا جاز، مع احتمال كونه غير ملكه، ولا إذن له في بيعه؛ تصحيحًا للعقد أيضًا، وقد أمكن التصحيح ههنا بجعل الجنس في مقابلة غير الجنس، أو جعل غير الجنس في مقابلة الزائد على المثل.
واحتجّ الأولون بحديث فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- المذكور في الباب، ولأن العقد إذا جمع عوضين مختلفي الجنس، وجب أن ينقسم أحدهما على الآخر على قدر قيمة الآخر في نفسه، فإذا اختلفت القيمة اختلف ما يأخذه من العوض، بيانه أنه إذا اشترى عبدين قيمة أحدهما مثل نصف قيمة الآخر بعشرة، كان ثمن أحدهما ثلثي العشرة والآخر ثلثها، فلو ردّ أحدهما بعيب ردّه بقسطه من الثمن، ولذلك إذا اشترى شِقْصًا وسيفًا بثمن أخذ الشفيع الشقص بقسطه من الثمن، فإذا فعلنا هذا فيمن باع درهما ومُدًّا، قيمته درهمان بمدّين قيمتهما ثلاثة، حصل الدرهم في مقابلة ثلثي مُدّ، والمدّ الذي مع الدرهم في مقابلة مدّ وثلث، فهذا إذا تفاوتت القيم، ومع التساوي يُجهَل ذلك؛ لأن التقويم ظنّ وتخمينٌ، والجهل بالتساوي كالعلم بعدمه، في باب الربا، ولذلك لم يجز بيع صبرة بصبرة بالظن والخرص.
وقولهم: يجب تصحيح العقد، ليس كذلك، بل يُحمل على ما يقتضيه من صحة وفساد، ولذلك لو باع بثمن، وأطلق وفي البلاد نقود بطل، ولم يُحمل على نقد أقرب البلاد إليه، أما إذا اشترى من إنسان شيئًا فإنه يصح؛ لأن الظاهر أنه ملكه؛ لأن اليد دليل الملك، وإذا باع لحمًا، فالظاهر أنه مُذَكّى؛ لأن المسلم في الظاهر لا يبيع الميتة. انتهى كلام ابن قُدامة -رَحِمَهُ اللهُ- (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر من الحجج أن الأرجح في "مسألة مدّ عجوة" هو المذهب الأول، وهو عدم الجواز؛ لِمَا ذُكر من الحجج، وأقواها حديث فَضَالة بن عُبيد -رضي الله عنه- المذكور في الباب، وتأويله بأنه