صورة بيع العينة -كما قال ابن الأثير رحمه الله في "النهاية" ٣/ ٣٣٤ - : أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمّى، ثم يشتريها منه بأقلّ من الثمن الذي باعها، فإن اشترى بحضرة طالب العِينة سلعة من آخر بثمن معلوم، وقبضها، ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراها إلى أجل مسمّى، ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقلّ من الثمن، فهذه أيضًا عِينة، وهي أهون من الأولى، وسُمّيت عِينةً لحصول النقد لصاحب العينة؛ لأن العين هو المال الحاضر من النقد، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة، تَصِلُ إليه معجّلةً. انتهى.
وقال ابن قُدامة رحمه الله في "المغني": من باع سلعة بثمن مؤجل، ثم اشتراها بأقل منه نقدًا، لم يَجُز في قول أكثر أهل العلم، رُوي ذلك عن ابن عباس، وعائشة، والحسن، وابن سيرين، والشعبىّ، والنخعيّ، وبه قال أبو الزناد، وربيعة، وعبد العزيز بن أبي سلمة، والثوريّ، والأوزاعيّ، ومالك، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وأجازه الشافعىّ؛ لأنه ثمن يجوز بيعها به، من غير بائعها، كما لو باعها بمثل ثمنها.
ولنا ما رَوَى غندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق السبيعىّ، عن امرأته العالية بنت أيفع بن شُرَحبيل، أنها قالت: دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم، وامرأته على عائشة -رضي الله عنهما-، فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلامًا من زيد بن أرقم، بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم اشتريته منه بستمائة درهم، فقالت
= وعبارة "المصباح" (٢/ ٤٤١): والعِينَةُ بالكسر: السَّلَف، واعْتَانَ الرجل: اشترى الشيءَ بالشيء نسيئةً، وبعته عَيْنًا بِعَيْنٍ: أي حاضرًا بحاضر، وعَايَنْتُهُ مُعَايَنَةً، وعِيَانًا، وعَيَّنَ التاجر تَعْيينًا، والاسم: العِينَةُ بالكسر، وفسّرها الفقهاء بأن يبيع الرجل متاعه إلى أجل، ثم يشتريه في المجلس بثمن حالّ ليسلم به من الربا، وقيل لهذا البيع: عِينَةٌ؛ لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عَيْنًا: أي نقدًا حاضرًا، وذلك حرام إذا اشتَرَط المشتري على البائع أن يشتريها منه بثمن معلوم، فإن لم يكن بينهما شرط فأجازها الشافعيّ؛ لوقوع العقد سالمًا من المفسدات، ومنعها بعض المتقدمين، وكان يقول: هي أخت للربا، فلو باعها المشتري من غير بائعها في المجلس، فهي عِينَةٌ أيضًا، لكنها جائزة باتفاق. انتهى.