كذلك، فتقييده بأدنى دليل كاف، وقد دلّ الدليل على سد الذرائع، فلتكن هذه الصورة ممنوعة.
واستَدَلّ بعضهم على الجواز، بما أخرجه سعيد بن منصور، من طريق ابن سيرين، أن عمر خطب، فقال: إن الدرهم بالدرهم، سواءً بسواء، يدًا بيد، فقال له ابن عوف: فنعطي الجنيب، ونأخذ غيره؟ قال: لا، ولكن ابتع بهذا عَرْضًا، فإذا قبضته، وكان له فيه نية، فاهضم ما شئت، وخذ أيّ نقد شئت.
واستَدَلّ أيضًا بالاتفاق، على أن من باع السلعة التي اشتراها، ممن اشتراها منه بعد مدّة، فالبيع صحيح، فلا فرق بين التعجيل في ذلك، والتأجيل، فدل على أن المعتبر في ذلك وجود الشرط، في أصل العقد وعدمه، فإن تشارطا على ذلك في نفس العقد، فهو باطل، أو قبله، ثم وقع العقد بغير شرط، فهو صحيح، ولا يخفى الورع.
وقال بعضهم: ولا يضر إرادة الشراء، إذا كان بغير شرط، وهو كمن أراد أن يزني بامرأة، ثم عدل عن ذلك، فخطبها، وتزوجها، فإنه عدل عن الحرام إلى الحلال، بكلمة الله التي أباحها، وكذلك البيع، والله أعلم.
١٠ - (ومنها): جواز اختيار طيِّب الطعام، وجواز الوكالة في البيع وغيره.
١١ - (ومنها): أن البيوع الفاسدة كلّها تُفسخ، وتردّ، إذا لم تَفُتْ.
١٢ - (ومنها): ما قاله القرطبي رحمه اللهُ أيضًا: إنه يدلّ على وجوب فسخ صفقة الربا، وأنها لا تصحّ بوجه، وهو حجةٌ للجمهور على أبي حنيفة حيث يقول: إن بيع الربا جائز بأصله، من حيث إنه بيع، ممنوع بوصفه، من حيث إنه ربا، فيُسقَطُ الربا، ويصح البيع. ولو كان على ما ذَكر لَمَا فسخ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذه الصفقة، ولأمَره برد الزيادة على الصاع، ولصحّح الصفقة في مقابلة الصاع. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): مما يتعلّق بهذا البحث الكلام على بيع العِينة (١):
(١) "العِينة" بكسر العين، كما في "الصحاح"، و"القاموس"، "المصباح"، فما في "شرح الطيبيّ" من ضبطه بفتح العين، فغلط، فتنبّه. =