للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن عبد البر رحمه اللهُ: إن القصة وقعت مرتين: مرةً لم يقع فيه الأمر بالردّ، وكان ذلك قبل العلم بتحريم الربا، ومرّةً وقع فيها الأمر بالردّ، وذلك بعد تحريم الربا، والعلمِ به.

قال في "الفتح": ويدلّ على التعدد أن الذي تولى ذلك في إحدى القصتين سَوَاد بن غَزِيّة، عامل خيبر، وفي الأخرى بلال.

وعند الطبري من طريق سعيد بن المسيِّب عن بلال قال: "كان عندي تمر دُونٌ، فابتعت منه تمرًا أجود منه … " الحديث، وفيه: فقال النبىّ -صلى الله عليه وسلم-: "هذا الربا بعينه، انطلق فرُدّه على صاحبه، وخذ تمرك، وبعه بحنطة، أو شعير، ثم اشتر به من هذا التمر، ثم جئني به". انتهى (١).

(وَلَكِنْ إِذَا أرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ) أي: الجيّد (فَبعْهُ) أي: التمر الرديء (بِبَيْعٍ آخَرَ) أي: بثمن آخر غير جنسه (ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ") أَي: اشتر التمر الجيّد بالثمن الذي بعت الرديء به.

وفي رواية البخاريّ: "فبع التمر ببيع آخر، ثم اشتر به"، قال في "الفتح": في رواية مسلم: "ولكن إذا أردت أن تشتري التمر، فبعه ببيع آخر، ثم اشتره قال: وبينهما مغايرة؛ لأن "التمر" في رواية البخاريّ المراد به التمر الرديء، والضمير في "به" يعود إلى التمر؛ أي: بالتمر الرديء -أي: بثمنه-، والمفعول محذوف؛ أي: اشتر به تمرًا جيِّدًا، وأما رواية مسلم: فالمراد بالتمر: الجيّدُ، والضمير في قوله: "ثم اشتره" للجيّد. انتهى.

وفي الحديث: البحث عما يستريب به الشخص، حتى ينكشف حاله، وفيه النصّ على تحريم ربا الفضل، واهتمام الإمام بأمر الدين، وتعليمه لمن لا يعلمه، وإرشاده إلى التوصل إلى المباحات وغيرها، واهتمام التابع بأمر متبوعه، وانتقاء الجيِّد له من أنواع المطعومات وغيرها، وفيه أن صفقة الربا لا تصح، ذكره في "الفتح" (٢).

وقوله: (لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ سَهْلٍ فِي حَدِيثِهِ عِنْدَ ذَلِكَ) أشار به إلى اختلاف وقع بين شيخيه: إسحاق بن منصور، ومحمد بن سهل، فالأول قال: "فقال


(١) "الفتح" ٦/ ١٠٣.
(٢) "الفتح" ٦/ ١٠٤.