للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَحْتَجّ بإطلاقه من لم يقل بسدِّ الذرائع، وهو الشافعيّ، وأبو حنيفة، وكافتهم، فأجازوا شراء الْبَرْنيّ مثلًا ممن باع منه الجمع، ومنعه مالك رَحمه اللهُ على أصله في سدِّ الذرائع، فإن هذه الصورة تؤدي إلى بيع التمر بالتمر متفاضلًا، ويكون الثمن لغوًا، ولا حجَّة لهم في هذا الحديث؛ لأنَّه -صلى الله عليه وسلم- لم يَنُصّ على جواز شراء التمر الثاني ممن باع منه التمر الأول، ولا تناولَه ظاهر اللفظ بعموم، بل بإطلاقه، والمطلق يَحْتَمِل التقييد احتمالًا يوجب الاستفسار، فكأنه إلى الإجمال أقرب، وبهذا فرق بين العموم والإطلاق، فإن العموم ظاهر في الاستغراق، والمطلق صالح له، لا ظاهر فيه، وإذا كان كذلك فيتقيد بأدنى دليل، وقد دلَّ على تقييده الدليلُ الذي دلَّ على سدِّ الذرائع، كما بيّنَّاه في الأصول، وقد نصَّ ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- على مَنْع مثل هذا، حيث مَنَع فقال: ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعام مُرْجأ؟

وفي هذا الحديث من الفقه: جواز اختيار طيبات الأطعمة دون أدانيها، وجواز الوكالة، وفيه ما يدلُّ على أن البيوع الفاسدة كلَّها تفسخ، وتُرَدُّ إذا لم تَفُتْ. انتهى (١).

والحديث تقدّم تمام البحث فيه في الحديث الماضي، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف رَحمه اللهُ أوّل الكتاب قال:

[٤٠٧٨] (١٥٩٥) - (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَهُوَ الْخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ، فَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "لَا صَاعَي تَمْرٍ بِصَاعٍ، وَلَا صَاعَىْ حِنْطَةٍ (٢) بِصَاعٍ، وَلَا دِرْهَمَ بِدِرْهَمَيْنِ").


(١) "المفهم" ٤/ ٤٨٢ - ٤٨٣.
(٢) وفي نسخة: "لا صاعين تمرًا، ولا صاعين حنطةً".