للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

و"شِبَاك" -بكسر الشين المعجمة، ثم موحّدة خفيفة، ثم كاف- الضبيّ الكوفيّ الأعمى، ثقة [٦]، له ذكر في "صحيح مسلم" في هذا الموضع، ولا رواية له، كما نبّه عليه في "تهذيب التهذيب" (١).

(فَحَدَّثَنَا) أي: إبراهيم (عَنْ عَلْقَمَةَ) بن قيس النخعيّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود -رضي الله عنه-؛ أنه (قَالَ: لَعَنَ) بالبناء للفاعل، وفاعله (رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الرِّبَا) بالنصب على المفعولية؛ أي: آخذه، وإن لم يأكل، وإنما خَصّ الأكل؛ لأنه أعظم أنواع الانتفاع، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الآية [النساء: ١٠].

(وَمُؤْكِلَهُ) بهمز، ويُبدل؛ أي: معطيه لمن يأخذه، وإن لم يأكل منه؛ نظرًا إلى أن الأكل هو الأغلب، أو الأعظم كما تقدم.

قال الخطابيّ رحمه الله: سَوّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين آكل الربا ومُوْكِله؛ إذ كلٌّ لا يتوصل إلى أكله إلا بمعاونته ومشاركته إياه، فهما شريكان في الإثم، كما كانا شريكين في الفعل، وإن كان أحدهما مُغْتَبطًا بفعله؛ لِمَا يستفضله من البيع، والآخر مُنْهَضِمًا؛ لِمَا يلحقه من النقص، ولله عز وجل حدود، فلا تُتجاوز في وقت الوجود من الربح والعدم، وعند العسر واليسر، والضرورةُ لا تلحقه بوجه في أن يوكله الربا؛ لأنه قد يجد السبيل إلى أن يَتوصل إلى حاجته بوجه من وجوه المعاملة والمبايعة، ونحوها.

قال الطيبيّ رحمه الله: لعل هذا الاضطرار إنما يَلحق بالموكل، فينبغي أن يَحترز عن صريح الربا، فيتشبّث بوجه من وجوه المبايعة؛ لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} الآية [البقرة: ٢٧٥] لكن مع وَجَل وخوف شديد عسى الله أن يَتجاوز عنه، ولا كذلك الآكل. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ رحمه الله: آكل الربا آخذه، وعبَّر عن الأخذ بالأكل؛ لأن الأخذ إنما يُرَاد للأكل غالبًا؛ ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا}؛ أي: أخذونها، فإنه لم يعلّق الوعيد على أموال اليتامى من حيث الأكل فقط، بل من حيث إتلافها عليهم بأخذها منهم، وموكل الربا: معطيه. وهذا كما قال في الحديث الآخر: "الآخذ والمعطي فيه سواء"، وفي معنى


(١) راجع: "تهذيب التهذيب" ٢/ ١٤٩.
(٢) "مرقاة المفاتيح" ٦/ ٤٣.