وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا، وحاصله ترجيح من قال بأن الثمن كان أوقيّة، كما مرّ بيانه آنفًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الشرط في البيع: قد تكلّم العلامة ابن قُدامة رحمه الله في "المغني" في هذه المسألة، وفصّلها تفصيلًا حسنًا، أحببتُ إيراده هنا ملخّصًا؛ تتميمًا للفائدة، ونشرًا للعائدة:
قال رحمه الله، ما خلاصته: ثبت عن أحمد رحمه الله؛ أنه قال: الشرط الواحد لا بأس به، إنما نُهي عن الشرطين في البيع، ذهب أحمد إلى ما رَوَى عبد الله بن عمرو، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا تَبعْ ما ليس عندك"، أخرجه أبو داود، والنسائيّ، والترمذيّ، وقال: حديث حسن صحيح (١)، قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: إن هؤلاء يكرهون الشرط في البيع؟ فنفض يده، وقال: الشرط الواحد، لا بأس به في البيع، إنما نَهَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شرطين في البيع، وحديث جابر -رضي الله عنه- يدل على إباحة الشرط، حين باعه جمله، وشرط ظهره إلى المدينة.
واختُلِف في تفسير الشرطين المنهي عنهما، فرُوي عن أحمد أنهما شرطان صحيحان، ليسا من مصلحة العقد، فحكى ابن المنذر عنه، وعن إسحاق فيمن اشترى ثوبًا، واشترط على البائع خياطته، وقصارته، أو طعامًا، واشترط طحنه وحمله، إن اشترط أحد هذه الأشياء، فالبيع جائز، وإن اشترط شرطين فالبيع باطل، وكذلك فسر القاضي في "شرحه" الشرطين المبطلين بنحو من هذا التفسير.
وروى الأثرم عن أحمد تفسير الشرطين أن يشتريها على أنه لا يبيعها من أحد، وأنه يطؤها، ففسّره بشرطين فاسدين.
وروى عنه إسماعيل بن سعيد في الشرطين في البيع: أن يقول إذا بعتكها، فأنا أحق بها بالثمن، وأن تخدُمني سنة.
وظاهر كلام أحمد؛ أن الشرطين المنهيّ عنهما، ما كان من هذا النحو، فأما إن شرط شرطين، أو أكثر من مقتضى العقد، أو مصلحته، مثل أن يبيعه