للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الخامسة): في بيان اختلاف الروايات في مقدار ثمن الجمل: قد أشار البخاريّ أيضًا في كلامه السابق إلى هذا الاختلاف، وحاصل الاختلاف عنده: أوقية، وهي رواية الأكثر، كما أشار إليه البخاريّ، وأربعة دنانير، وهي لا تخالفها كما تقدم، وأوقية الذهب، وأربع أواق، وخمس أواق، ومائتا درهم، وعشرون دينارًا، هذا ما ذكر البخاريّ.

ووقع عند أحمد، والبزار، من رواية علي بن زيد، عن أبي المتوكل: ثلاثة عشر دينارًا، وقد جمع عياض وغيره، بين هذه الروايات، فقال: سبب الاختلاف أنهم رووا بالمعنى، والمراد أوقيةُ الذهب، والأربعُ أواق، والخمسُ بقدر ثمن الأوقية الذهب، والأربعة دنانير، مع العشرين دينارًا، محمولة على اختلاف الوزن والعدد، وكذلك رواية الأربعين درهمًا، مع المائتي درهم، قال: وكان الإخبار بالفضة عما وقع عليه العقد، وبالذهب عما حصل به الوفاء، أو بالعكس. انتهى، ملخصًا.

وقال الداوديّ: المراد أوقية ذهب، ويُحمَل عليها قول من أطلق، ومن قال: خمس أواق، أو أربع، أراد من فضة، وقيمتها يومئذ أوقية ذهب، قال: وَيحْتَمِل أن يكون سبب الاختلاف، ما وقع من الزيادة على الأوقية، قال الحافظ: ولا يخفى ما فيه من التعسف. وقال القرطبيّ: اختلفوا في ثمن الجمل، اختلافًا لا يقبل التلفيق، وتَكَلُّفُ ذلك بعيد عن التحقيق، وهو مبني على أمر، لم يصح نقله، ولا استقام ضبطه، مع أنه لا يتعلق بتحقيق ذلك حكم، وإنما تحصل من مجموع الروايات؛ أنه باعه البعير، بثمن معلوم بينهما، وزاده عند الوفاء، زيادة معلومة، ولا يضر عدم العلم بتحقيق ذلك.

قال الإسماعيليّ: ليس اختلافهم في قدر الثمن بضارّ؛ لأن الغرض الذي سيق الحديث لأجله، بيان كرمه -صلى الله عليه وسلم-، وتواضعه، وحُنُوّه على أصحابه، وبركة دعائه، وغير ذلك، ولا يلزم من وَهْم بعضهم في قدر الثمن، توهينه لأصل الحديث.

قال الحافظ: وما جنح إليه البخاريّ من الترجيح أقعد، وبالرجوع إلى التحقيق أسعد، فَلْيُعْتَمَدْ ذلك، وبالله التوفيق. انتهى ملخّصًا من "الفتح" (١)،


(١) راجع: "الفتح" ٦/ ٦٠٨ - ٦٠٩.