للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَهَمَّ بِهِ أصْحَابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-)؛ أي: أرادوا أن يؤذوه بالقول، أو الفعل، لكن لم يفعلوا أدبًا مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا" أي: صولةَ المطلب، وقوّةَ الحجة، لكن على من يَمْطُل، أو يُسيء المعاملة، وأما من أنصف من نفسه، فبذل ما عنده، واعتذر عما ليس عنده، فيُقبل عذره، ولا تجوز الاستطالة عليه، ولا كَهْرُه، قاله في "الفتح" (١)، و"المفهم" (٢).

وفي الحديث جواز المطالبة بالدَّين إذا حل أجله، وفيه حسن خلق النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وعِظَم حِلْمه، وتواضعه، وإنصافه، وأن من عليه دَين لا ينبغي له مجافاة صاحب الحق، وأن من أساء الأدب على الإمام كان عليه التعزير بما يقتضيه الحال، إلا أن يعفو صاحب الحق (٣).

وقال النوويّ رحمه الله: فيه أنه يُحْتَمَل من صاحب الدَّين الكلامُ المعتادُ في المطالبة، وهذا الإغلاظ المذكور محمول على تشدّد في المطالبة، ونحو ذلك، من غير كلام فيه قَدْحٌ، أو غيره مما يقتضي الكفر، وَيحْتَمِل أن القائل الذي له الدَّين كان كافرًا من اليهود، أو غيرهم، والله أعلم. انتهى (٤).

(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (لَهُمُ)؛ أي: لأصحابه -رضي الله عنهم-: ("اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ") وفي الرواية الآتية: "أعطوه فوق سنّه"، وفي رواية للبخاريّ: "واشتروا له بعيرًا، فأعطوه إياه"، وفي رواية عبد الرزّاق: "التمسوا له مثل سنّ بعيره".

وقال القرطبيّ رحمه الله: وقوله: "اشتروا له سنًّا، فأعطوه إياه" دليلٌ على أن هذا الحديث قضيّة أخرى غير قضيّة حديث أبي رافع، فإن ذلك الحديث يقتضي أنه أعطاه من إبل الصدقة، وهذا اشتري له، وفيه دليل: على صحة الوكالة في القضاء. انتهى (٥).

(فَقَالُوا: إِنَّا لَا نَجِدُ إِلا سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ)؛ أي: أكبر منه، فإنه كان بَكْرًا، فوجدوا له رَبَاعيًا، كما تقدّم، وقال في "العمدة": "السنّ": هي المعروفة، ثم سُمّي بها صاحبها. انتهى (٦).


(١) "الفتح" ٦/ ١٩٨.
(٢) "المفهم" ٤/ ٥٠٩ - ٥١٠.
(٣) "الفتح" ٦/ ١٩٩.
(٤) "شرح النوويّ" ١١/ ٣٨.
(٥) "المفهم" ٤/ ٥١٠.
(٦) "عمدة القاري" ١٠/ ٢٤٠.