للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منه ثمنًا، أو عِوَضًا، فلم يُرِد التضييق عليهم؛ فإنه لا يبعد أن يكون فيهم إذ ذاك من يقدر على ذلك، وأكثر منه، فلعله -صلى الله عليه وسلم- لم يُطلِعهم على ذلك، وإنما أطلع عليه من لم يكن موسرًا به ممن نقل ذلك، والله تعالى أعلم، قاله في "الفتح" (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): فيما قاله أهل العلم في حكم الرهن:

قال ابن قُدامة رحمه الله: الرهن غير واجب، لا نعلم فيه مخالفًا؛ لأنه وثيقة بالدَّين، فلم يجب، كالضمان، والكفالة، وقول الله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣] إرشاد لنا، لا إيجاب علينا، بدليل قول الله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: ٢٨٣]، ولأنه أمر به عند إعواز الكتابة، والكتابة غير واجبة، فكذلك بدلها. انتهى كلام ابن قُدامة رحمه الله، وهو تحقيق حسن، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في أحوال الرهن:

قال ابن قُدامة رحمه الله أيضًا: ولا يخلو الرهن من ثلاثة أحوال:

[أحدها]: أن يقع بعد الحقّ، فيصح بالإجماع؛ لأنه دَين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به، فجاز أخذها به، كالضمان، ولأن الله تعالى قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} فجعله بدلًا عن الكتابة، فيكون في محلها، ومحلها بعد وجوب الحقّ، وفي الآية ما يدل على ذلك، وهو قوله تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢]، فجعله جزاء للمداينة، مذكورًا بعدها بفاء التعقيب.

[الحال الثاني]: أن يقع الرهن مع العقد الموجب للدَّين، فيقول: بعتك ثوبي هذا بعشرة إلى شهر، ترهُنُني بها عبدك سعدًا، فيقول: قبلت ذلك، فيصح أيضًا، وبه قال مالك، والشافعيّ، وأصحاب الرأي؛ لأن الحاجة داعية إلى ثبوته، فإنه لو لم يعقده مع ثيوت الحق، وَيشْتَرِطْ فيه لم يتمكن من إلزام المشتري عقده، وكانت الخيرة إلى المشتري، والظاهر أنه لا يبذله، فتفوت الوثيقة بالحق.


(١) "الفتح" ٦/ ٣٢٨.