محتاج إلى ثمنها قبل إبَّانها لينفقه عليها، فظهر أن صفقة السَّلم من المصالح الحاجيَّة، وقد سَمَّاها الفقهاء بيع المحاويج، فإن جاز حالًّا بطلت هذه الحكمة، وارتفعت هذه المصلحة، ولم يكن لاستثنائه من بيع ما ليس عندك فائدة، والله أعلم.
وأما رأس مال السَّلم فيجوز أن يتأخر عندنا ثلاثة أيام بشرط وبغير شرط، ولا يجوز تأخيره زيادة عليها بالشرط، وإن وقع كذلك بطل؛ لأنه ظهر مع الزيادة عليها مقصود الدَّين بالدَّين، فلا يجوز بخلاف ما قبلها؛ إذ لا يتبيَّن فيه المقصد إلى ذلك؛ إذ يكون تأخير اليومين والثلاثة ليهيِّئ الثمن، ويحتال في تحصيله، ولم يجز الكوفيون، ولا الشافعيّ تأخيره عن العقد والافتراق، ورأوا أنه كالصَّرف، وهذا القياس غير مسلَّم لهم؛ لأن البابين مختلفان بأخص أوصافهما، فإن الصَّرف بابه ضيق، كثرت فيه التعبُّدات والشروط بخلاف السَّلم فإن شوائب المعاملات عليه أكثر، وأيضًا فإنه على نقيضه، ألا ترى: أن مقصود الشرع في الصَّرف المناجزة، والمقصود في السَّلم التوسيع بالتأخير؛ فكيف تُحمل فروع أحدهما على الآخر مع وجود هذه الفوارق؟. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).
[تنبيه]: ذكر العلماء لصحة السلم ستة شروط؛ استنباطًا من حديث الباب، وغيره، فمنها ما هو مجمع عليه، ومنها ما هو مختلف فيه، وسأورد هذه الشروط مع بيان بعض ما يتفرّع منها من المسائل، ملخّصًا من كلام الإمام العلامة موفّق الدين أبي محمد ابن قُدامة رحمه الله، في كتابه المفيد "المغني"، وأرتّبها في مسائل متممة للمسائل الماضية فأقول:
(المسألة الرابعة): في الكلام على الشرط الأول:
قال ابن قُدامة رحمه الله ما حاصله: الشرط الأول أن يكون المُسْلَم فيه، مما ينضبط بالصفات التي يختلف الثمن باختلافها ظاهرًا، فيصح في الحبوب، والثمار، والدقيق، والثياب، والإبريسم، والقطن، والكتان، والصوف، والشعر، والكاغد، والحديد، والرصاص، والصفر، والنحاس، والأدوية،