للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرط، ولا نعلم هذا الشرط إذا قدّرها بغير مقدارها الأصلي. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي صححه ابن قُدامة: هو الأرجح عندي؛ لوضوح حجته، كما بيّنه هو في كلامه المذكور آنفًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة العاشرة): في الكلام على الشرط الرابع: وهو أن يكون مؤجلًا أجلًا معلومًا، وقد اختلف أهل العلم في ثلاثة مواضع من هذا الشرط:

[أحدها]: أنه يشترط لصحة السلم كونه مؤجلًا، ولا يصح السلم الحالّ، قال أحمد في رواية المرُّوذيّ: لا يصح حتى يشترط الأجل، وبهذا قال أبو حنيفة، ومالك، والأوزاعيّ، وقال الشافعيّ، وأبو ثور، وابن المنذر: يجوز السلم حالًّا؛ لأنه عقد يصح مؤجلًا، فصح حالًا، كبيوع الأعيان، ولأنه إذا جاز مؤجلًا، فحالًّا أجوز، ومن الغرر أبعد.

واحتجّ الأولون بقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "من أسلف في شيء، فليسلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم، إلى أجل معلوم"، فأمر بالأجل، وأمْره يقتضي الوجوب، ولأنه أمَر بهذه الأمور؛ تبيينًا لشروط السلم، ومنعًا منه بدونها، وكذلك لا يصح إذا انتفى الكيل والوزن، فكذلك الأجل، ولأن السلم إنما جاز رخصةً للرفق، ولا يحصل الرفق إلا بالأجل، فإذا انتفى الأجل انتفى الرفق، فلا يصح كالكتابة، ولأن الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه: أما الاسم فلأنه يسمى سَلَمًا وسَلَفًا؛ لتعجّل أحد العوضين، وتأخر الآخر، ومعناه ما ذكرناه في أول الباب، من أن الشارع أرخص فيه للحاجة الداعية إليه، ومع حضور ما يبيعه حالًّا لا حاجة إلى السلم، فلا يثبت، ويفارق بيوع الأعيان، فإنها لم تثبت على خلاف الأصل، لمعنى يختص بالتأجيل، وما ذكروه من التنبيه غير صحيح؛ لأن ذلك إنما يجزئ فيما إذا كان المعنى المقتضي موجودًا في الفرع بصفة التأكيد، وليس كذلك ههنا، فإن البعد من الضرر، ليس هو المقتضي لصحة السلم المؤجل، وإنما المصحِّح له شيء آخر، لم نذكر اجتماعهما فيه، وقد بيّنا افتراقهما.

إذا ثبت هذا، فإنه إن باعه ما يصح السلم فيه حالًّا في الذمة صح، ومعناه معنى السلم، وإنما افترقا في اللفظ.