الذمة، فاشتُرط معرفة قدره، كالثمن، قال الموفّق: ولا نعلم في اعتبار معرفة المقدار خلافًا، ويجب أن يقدّره بمكيال، أو أرطال معلومة عند العامة، فإن قدّره بإناء معيّن، أو صنجة معينة، غير معلومة لم يصح؛ لأنه يهلك، فيتعذر معرفة قدر المُسْلَم فيه، وهذا غرر، لا يحتاج إليه العقد.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نَحْفَظ عنه من أهل العلم، على أن المُسْلَم في الطعام، لا يجوز بقفيز لا يُعلم عياره، ولا في ثوب بذرع فلان؛ لأن المعيار لو تَلِف، أو مات فلان بطل السلم، منهم: الثوريّ، والشافعيّ، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأبو ثور، وإن عيَّن مكيال رجل، أو ميزانه، وكانا معروفين عند العامة جاز، ولم يختصّ بهما، وإن لم يُعْرَفا لم يَجُز. انتهى (١)، وهو بحث نفيس أيضًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة التاسعة): مما يتفرّع على الشرط الثالث المذكور اختلافهم، فيما إذا أسلم فيما يكال وزنًا، أو فيما يوزن كيلًا، قال ابن قُدامة: نقل الأثرم أنه سأل أحمد، عن السلم في التمر وزنًا؟، فقال: لا إلا كيلًا، قلت: إن الناس ههنا لا يعرفون الكيل، قال: وإن كانوا لا يعرفون الكيل، فيَحْتَمِل هذا أنه لا يجوز في المكيل إلا كيلًا، ولا في الموزون إلا وزنًا، وهكذا ذكره القاضي، وابن أبي موسى؛ لأنه مبيع يُشترط معرفة قَدْره، فلم يَجُز بغير ما هو مقدّر به في الأصل، كبيع الرطوبات بعضها ببعض، ولأنه قدّر المُسْلَم بغير ما هو مقدّر به في الأصل، فلم يجز، كما لو أسلم في المذروع وزنًا، ونقل المروذيّ عن أحمد: أنه يجوز السلم في اللبن إذا كان كيلًا أو وزنًا، وهذا يدل على إباحة السلم في المكيل وزنًا، وفي الموزون كيلًا؛ لأن اللبن لا يخلو من كونه مكيلًا، أو موزونًا، وقد أجاز السلم فيه بكل واحد منهما، وهذا قول الشافعيّ، وابن المنذر، وقال مالك: ذلك جائز، إذا كان الناس يتبايعون التمر وزنًا، قال ابن قُدامة: وهذا أصح إن شاء الله تعالى؛ لأن الغرض معرفة قَدْره، وخروجه من الجهالة، وإمكان تسليمه من غير تنازع، فبأيِّ قَدْر قَدَّره جاز، ويفارق بيع الربويات، فإن التماثل فيها في المكيل كيلًا، وفي الموزون وزنًا