للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"سننه"، وهو حديث صحيح، كما بيّنته في "شرح النسائيّ" (١)، فالظاهر أن الحديث يدلّ لمن قال بجواز السلم إلى العطاء، ونحوه، مما يُعْلَم عادة، فتنبّه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[تنبيه]: إذا جعل الأجل إلى شهر، تعلّق بأوله، وإن جعل الأجل اسمًا يتناول شيئين: كجمادى، وربيع، ويوم النفر، تعلق بأولهما، وإن قال: إلى ثلاثة أشهر: إلى انقضائها؛ لأنه إذا ذكر ثلاثة أشهر مبهمة، وجب أن يكون ابتداؤها من حين لفظه بها، وكذلك لو قال: إلى شهر كان آخره، وينصرف ذلك إلى الأشهر الهلالية، بدليل قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} الآية [التوبة: ٣٦]، وأراد الهلالية، وإن كان في أثناء شهر، كمّلنا شهرين بالهلال، وشهرًا بالعدد ثلاثين يومًا، وقيل: تكون الثلاثة كلها عددية، قاله الموفّق رحمه الله (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[الأمر الثالث]: في كون الأجل معلومًا بالأهلة، وهو أن يُسلم إلى وقت يُعلم بالهلال، نحو أول الشهر، أو أوسطه، أو آخره، أو يوم معلوم منه؛ لقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} الآية [البقرة: ١٨٩]، ولا خلاف في صحة التأجيل بذلك، ولو أسلم إلى عيد الفطر، أو النحر، أو يوم عرفة، أو عاشوراء، أو نحوها جاز؛ لأنه معلوم بالأهلة، وإن جعل الأجل مقدَّرًا بغير الشهور الهلالية، فذلك قسمان:

[أحدهما]: ما يعرفه المسلمون، وهو بينهم مشهور، ككانون، وشباط، أو عيد لا يختلف، كالنيروز، والمهرجان عند من يعرفهما، فظاهر كلام الخرقيّ، وابن أبي موسى، أنه لا يصح؛ لأنه أسلم إلى غير الشهور الهلالية، أشبه إذا أسلم إلى الشعانين، وعيد الفطير؛ لأن هذه لا يعرفها كثير من المسلمين، أشبه ما ذكرنا، وقال القاضي: يصح، وهو قول الأوزاعيّ، والشافعيّ، قال الأوزاعيّ: إذا أسلم إلى فصح النصارى، وصومهم جاز؛ لأنه


(١) راجع: "ذخيرة العقبى" ٣٥/ ١٢٤ - ١٢٧.
(٢) "المغني" ٦/ ٤٠٤.