للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(الثاني): أن يكون في حال الضيق، بأن يدخل البلد قافلة فيتبادر ذوو الأموال فيشترونها، ويُضَيِّقون على الناس، فأما إن اشتراه في حال الاتساع والرخص، على وجه لا يُضَيِّق على أحد فليس بمحرّم. انتهى (١).

وقال العلامة الشوكانيّ رَحِمَهُ اللهُ: وظاهر أحاديث الباب أن الاحتكار محرَّم من غير فرق بين قوت الآدميّ والدواب وبين غيره، والتصريح بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة، بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق، وذلك لأن نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم اللقب، وهو غير معمول به عند الجمهور، وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر في الأصول.

وذهبت الشافعية إلى أن المحرّم إنما هو احتكار الأقوات خاصة لا غيرها، ولا مقدار الكفاية منها، قال ابن رسلان في "شرح السنن": ولا خلاف في أن ما يدّخره الإنسان من قوت، وما يحتاجون إليه من سَمْن، وعسل، وغير ذلك جائز لا بأس به. انتهى.

ويدلّ على ذلك ما ثبتٌ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يعطي كل واحدة من زوجاته مائة وسق من خيبر.

قال ابن رسلان في "شرح السنن": وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَدَّخر لأهله قوت سنتهم، من تمر وغيره.

قال أبو داود: قيل لسعيد -يعني: ابن المسيِّب-: فإنك تحتكر، قال: ومعمر كان يحتكر، وكذا في "صحيح مسلم".

قال ابن عبد البرّ وآخرون: إنما كانا يحتكران الزيت، وحَمَلا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه، وكذلك حمله الشافعيّ، وأبو حنيفة، وآخرون.

ويدلّ على اعتبار الحاجة، وقصد إغلاء السعر على المسلمين، قوله في حديث مَعْقِل: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم" (٢)، وقوله


(١) "الشرح الكبير" ٤/ ٤٧.
(٢) الحديث عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من دخل في شيء من =