للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ) قد تقدّم غير مرّة أن كسر يائه أولى من فتحها، فليُتنبّه (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- أنه (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "الْحَلِفُ) -بفتح الحاء المهملة، وكسر اللام، وتسكّن-؛ أي: اليمين، قال السيوطيّ رَحِمَهُ اللهُ في "حاشية أبي داود": المراد: اليمين الكاذبة، فقال السنديّ: يمكن إبقاؤه على إطلاقه؛ لأن الصادق لترويج أمر الدنيا، وتحصيله يتضمّن ذكر الله تعالى للدنيا، وهو لا يخلو عن كراهة مّا، بخلاف يمين المدّعَى عليه، فإنها لإزالة التهمة، فلا كراهة فيها، إذا كانت صادقة. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله السيوطيّ هو الأولى؛ لوروده مبيّنًا في رواية أحمد (١) من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، بلفظ: "اليمين الكاذبة مَنفَقَةٌ للسلعة، مَمْحَقَةٌ للكسب"، وخير ما فُسّر به الوارد هو الوارد، فتبصّر، وبالله تعالى التوفيق.

(مَنْفَقَةٌ) -بفتح الميم، والفاء، بينهما نون ساكنة- مَفْعَلة من النَّفاق -بفتح النون-، وهو الرواج، ضدّ الكساد (لِلسِّلْعَةِ) بكسر السين المهملة: المتاع (مَمْحَقَةٌ) -بالمهملة، والقاف، بوزن ما قبله، وحَكَى عياض ضمّ أوله، وكسر الحاء، والْمَحْق النقص، والإبطال.

وقال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: الرواية: مَنفَقة، ممحقة -بفتح الميم، وسكون ما بعدها، وفتح ما بعدها- وهما في الأصل مصدران مزيدان، محدودان، بمعنى النَّفاق، والمحق؛ أي: الحلف الفاجرة تُنَفِّق السلعةَ، وتُمْحَقُ بسببها البركةُ، فهي ذات نَفَاق، وذات مَحْق، ومعنى تمحق البركة؛ أي: تُذهبها، وقد تُذهب رأس المال والربح، كما قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} الآية [البقرة: ٢٧٦، وقد يتعدّى المحق إلى الحالف، فيُعاقَب بإهلاكه، وبتوالي المصائب عليه، وقد يتعدّى ذلك إلى خراب بيته، وبلده، كما روي أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "اليمين الفاجرة تذر الديار بلاقع" (٢)؛ أي: خالية من سكّانها، إذا توافقوا على التجرّؤ


(١) "مسند الإمام أحمد بن حنبل" ٢/ ٢٣٥.
(٢) حديث صحيح، أخرجه البيهقيّ في "السنن الكبرى" مطوّلًا (١٠/ ٣٥).