للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول بثوت الشفعة فيما لا يمكن قسمته هو الأرجح؛ لعموم الأدلّة، وأما ما رواه أبو الخطّاب، فإنه يحتاج إلى النظر في إسناده، وقد أخرجه عبد الرزاق في "مصنّفه" (٨/ ٨٧) مرسلًا، فتأمّل، والظاهر أنه لا يصلح للاحتجاج به، والله تعالى أعلم بالصواب.

(الشرط الرابع): أن يكون الشقص منتقلًا بعوض، وأما المنتقل بغير عوض، كالهبة بغير ثواب، والصدقة، والوصية، والإرث، فلا شفعة فيه، في قول عامّة أهل العلم، منهم: مالك، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، وحُكي عن مالك رواية أخرى في المنتقل بهبة، أو صدقة أن فيه الشفعةَ، ويأخذه الشفيع بقيمته، وحُكي ذلك عن ابن أبي ليلى؛ لأن الشفعة ثبتت لإزالة ضرر الشركة، وهذا موجود في الشركة كيفما كان، والضرر اللاحق بالمتَّهِب، دون ضرر المشتري؛ لأن إقدام المشتري على شراء الشِّقْص، وبذلِهِ ماله فيه، دليل حاجته إليه، فانتزاعه منه أعظم ضررًا مِنْ أخذه ممن لم يوجد منه دليل الحاجة إليه.

واحتجّ الأولون بانه انتقل بغير عوض، فاشبه الميراث، ولأن محلّ الوِفاق، هو البيع، والخبر ورد فيه، وليس غيره في معناه؛ لأن الشفيع يأخذه من المشتري بمثل السبب الذي انتقل به إليه، ولا يُمكن هذا في غيره، ولأن الشفيع يأخذ الشِّقْصَ بثمنه، لا بقيمته، وفي غيره يأخذه بقيمته، فافترقا.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الأولون من أنه لا شفعة في المُنتَقِلِ بغير عوض هو الأظهر عندي؛ لوضوح حجته، والله تعالى أعلم.

قال: فأما المنتقل بعوض، فينقسم قسمين:

[أحدهما]: ما عِوَضه المال، كالبيع، فهذا فيه الشفعة بغير خلاف، وهو في حديث جابر -رضي الله عنه-: "فإن باع، ولم يُؤْذِنْه، فهو أحقّ به"، وكذلك كلّ عقد جرى مجرى البيع، كالصلح بمعنى البيع، والصلح عن الجنايات الموجبة للمال، والهبة المشروط فيها ثوابٌ معلومٌ؛ لأن ذلك بيع ثبتت فيه أحكام البيع، وهذا منها، وبه يقول مالكٌ، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، إلا أن أبا حنيفة، وأصحابه قالوا: لا تثبت الشفعة في الهبة المشروط فيها ثوابٌ، حتى يتقابضا؛ لأن الهبة لا تثبتُ إلا بالقبض، فأشبهت البيع بشرط الخيار.