للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

طريق عكرمة بن سلمة: أن أخوين من بني المغيرة أَعْتَقَ أحدهما أن لا يغرز الآخر خشبًا في جُدُره، فلقيا مُجَمِّع بن يزيد الأنصاري، ورجالًا كثيرًا من الأنصار، فقالوا: نشهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أن لا يمنع جارٌ جاره أن يغرز خشبًا في جداره، فقال الحالف: أي أخي قد علمت أنك مَقْضِيّ لك عليّ، وقد حلفت، فاجعل أسطوانًا دون جُدُري، فَفَعَل الآخر، فغرز في الأسطوانة خشبة، قال لي عمرو (١): فأنا نظرت إلى ذلك (٢).

ورَوَى ابن إسحاق في "مسنده"، والبيهقيّ من طريقه، عن يحيى بن جَعْدة أحدِ التابعين، قال: أراد رجل أن يضع خشبةً على جدار صاحبه بغير إذنه فمنعه، فإذا من شئت من الأنصار يحدثون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه نهاه أن يمنعه، فجُبِر على ذلك.

وقيّد بعضهم الوجوب بما إذا تقدم استئذان الجار في ذلك مستندًا إلى ذكر الإذن في بعض طرقه، وهو في رواية ابن عيينة عند أبي داود، وعقيل أيضًا وأحمد، عن عبد الرحمن بن مهديّ، عن مالك: "من سأله جاره"، وكذا لابن حبان من طريق الليث، عن مالك، وكذا لأبي عوانة من طريق زياد بن سعد، عن الزهريّ، وأخرجه البزار من طريق عكرمة، عن أبي هريرة.

ومنهم من حَمَل الضمير في "جداره" على صاحب الجذع؛ أي: لا يمنعه أن يضع جذعه على جدار نفسه، ولو تضرر به من جهة منع الضوء مثلًا، ولا يخفى بُعْدُهُ.

وقد تعقبه ابن التين بأنه إحداث قول ثالث في معنى الخبر، وقد ردّه أكثر أهل الأصول.

قال الحافظ: وفيما قال نظرٌ؛ لأن لهذا القائل أن يقول: هذا مما يستفاد من عموم النهي، لا أنه المراد فقط، والله أعلم. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن مما سبق أن أرجح الأقوال في المسألة قول من قال بالوجوب؛ لقوّة حجّته.


(١) هو عمرو بن دينار أحد الرواة في السند.
(٢) "السنن الكبرى" للبيهقيّ ٦/ ١٥٧.
(٣) "الفتح" ٦/ ٢٨٢ - ٢٨٤.