للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأصحاب الحديث، وهو ظاهر الحديث، ومن قال بالندب قال: ظاهر الحديث أنهم توقفوا عن العمل، فلهذا قال: "ما لي أراكم عنها معرضين"، وهذا يدلّ على أنهم فَهِمُوا منه الندب، لا الإيجاب، ولو كان واجبًا لما أطبقوا على الإعراض عنه، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رَحِمَهُ اللهُ (١).

وقال في "الفتح": واستَدَلَّ المهلَّب من المالكية بقول أبي هريرة -رضي الله عنه-: "ما لي أراكم عنها معرضين" بأن العمل كان في ذلك العصر على خلاف ما ذهب إليه أبو هريرة، قال: لأنه لو كان على الوجوب لَمَا جَهِلَ الصحابة -رضي الله عنهم- تأويله، ولا أعرضوا عن أبي هريرة حين حدّثهم به، فلولا أن الحكم قد تقرر عندهم بخلافه، لَمَا جاز عليهم جهل هذه الفريضة، فدلّ على أنهم حملوا الأمر في ذلك على الاستحباب. انتهى.

وتعقّبه الحافظ فقال: وما أدري من أين له أن المعرضين كانوا صحابة، وأنهم كانوا عددًا لا يَجهَل مثلهم الحكم؟ ولم لا يجوز أن يكون الذين خاطبهم أبو هريرة بذلك كانوا غير فقهاء؟ بل ذلك هو المتعيَّن، وإلا فلو كانوا صحابة، أو فقهاء، ما واجههم بذلك، وقد قَوَّى الشافعيّ في القديم القول بالوجوب بأنّ عمر -رضي الله عنه- قَضَى به، ولم يخالفه أحد من أهل عصره، فكان اتفاقًا منهم على ذلك. انتهى.

قال: ودعوى الاتفاق هنا أولى من دعوى المهلَّب؛ لأن أكثر أهل عصر عمر -رضي الله عنه- كانوا صحابةً، وغالب أحكامه منتشرة؛ لطول ولايته، وأبو هريرة إنما كان يلي إمرة المدينة نيابةً عن مروان في بعض الأحيان.

وأشار الشافعيّ إلى ما أخرجه مالك، ورواه هو عنه بسند صحيح أن الضحاك بن خليفة، سأل محمد بن مسلمة أن يسوق خَلِيجًا له، فيمرّ به في أرض محمد بن مسلمة، فامتنع، فكلّمه عمر في ذلك، فأبى، فقال: والله ليمرّنّ به، ولو على بطنك، فحمل عمر -رضي الله عنه- الأمرَ على ظاهره، وعدّاه إلى كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره، وأرضه.

وفي دعوى العمل على خلافه نظرٌ، فقد روى ابن ماجه، والبيهقيّ من


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ٤٧ - ٤٨.